كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)

وملتزم بره مبتهج بِمَا يسببه الله تَعَالَى لَهُ من إعزاز نَصره وَإِظْهَار أمره فلَان سَلام كريم طيب بر عميم يخص مقامكم الْأَعْلَى ومثابتكم الفضلى الَّتِي حازت فِي الْفَخر الأمد الْبعيد وفازت من التأييد والنصر بالحظ السعيد وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته أما بعد حمد الله الَّذِي فسح لملككم الرفيع فِي الْعِزّ مدى وعرفه عوارف آلائه وعوائد النَّصْر على أعدائه يَوْمًا وَغدا وحرس سَمَاء علائه بشهب من قدره وقضائه فَمن يستمع الْآن يجد لَهُ شهابا رصدا وَجعل نجح آماله وَحسن مآله قِيَاسا مطردا فَرب مُرِيد ضره ضرّ نَفسه وهاد إِلَيْهِ الْجَيْش أهْدى وَمَا هدي وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد نبيه وَرَسُوله الَّذِي مَلأ الْكَوْن نورا وَهدى وَأَحْيَا مراسم الْحق وَقد صَارَت طرائق قددا أَعلَى الْأَنَام يدا وأشرفهم محتدا الَّذِي بجاهه نلبس أَثوَاب السَّعَادَة جددا ونظفر بالنعيم الَّذِي لَا يَنْقَطِع أبدا وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه الَّذين رفعوا لسماء سنته عمدا وأوضحوا لسبيل اتِّبَاعه مقصدا وتقبلوا شيمه الطاهرة ركعا وَسجدا سيوفا على من اعْتدى ونجوما لمن اهْتَدَى حَتَّى علت فروع مِلَّته صعدا وَأصْبح بناؤها مديدا مخلدا وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى بالنصر الَّذِي يتوالى مثنى وموحدا كَمَا جمع لملككم مَا تفرق من الألقاب على توالي الأحقاب فَجعل سيفكم سِفَاحًا وعلمكم منصورا ورأيكم رشيدا وعزمكم مؤيدا فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم كتب الله تَعَالَى لكم صنعا يشْرَح لِلْإِسْلَامِ خلدا ونصرا يُقيم للدّين الحنيفي أوادا وعزما يمْلَأ أَفْئِدَة الْكفْر كمدا وجعلكم مِمَّن هيأ لَهُ من أمره رشدا وَيسر لكم الْعَاقِبَة الْحسنى كَمَا وعد بِهِ فِي كِتَابه الْعَزِيز وَالله أصدق موعدا من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله وَلَا زَائِد بِفضل الله سُبْحَانَهُ إِلَّا استطلاع سعودكم فِي آفَاق الْعِنَايَة واعتقاد جميل صنع الله فِي الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة وَالْعلم بِأَن ملككم تحدى من الظُّهُور على أعدائه بِآيَة وأجرى جِيَاد السعد فِي ميدان لَا يحد بغاية وخرق حجاب الْمُعْتَاد بِمَا لم يظْهر إِلَّا لأَصْحَاب الْكَرَامَة وَالْولَايَة وَنحن على مَا علمْتُم من السرُور بِمَا يهز لملككم الْمَنْصُور عطفا ويسدل عَلَيْهِ من الْعِصْمَة سجفا فقاسمه الارتياح لمواقع نعم الله تَعَالَى نصفا وَنصفا ونعقد بَين أنباء مسرته وَبَين الشُّكْر لله حلفا ونعد التَّشَيُّع لَهُ مِمَّا يقربنا إِلَى الله زلفى
مضرَّة الْمُحَاربَة وَلَيْسَ من الرَّأْي والسياسة أَن يَدْعُوك خصمك إِلَى السّلم فتدعوه إِلَى الْحَرْب مَا وجدت إِلَى السّلم سَبِيلا وَهَذَا هُوَ الَّذِي فعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْحُدَيْبِيَة فَإِنَّهُ قَالَ لأَصْحَابه لما اغتاظوا من ذَلِك الصُّلْح وَقَالَ بَعضهم وَالله مَا هَذَا بِفَتْح لقد صُدِدْنَا عَن الْبَيْت وَصد هدينَا بل هُوَ أعظم الْفتُوح قد رَضِي الْمُشْركُونَ أَن يَدْفَعُوكُمْ بِالرَّاحِ عَن بِلَادهمْ وَيَسْأَلُوكُمْ الْقَضِيَّة وَيرغبُوا إِلَيْكُم من الْأمان إِلَى آخر مَا قَالَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِلَى هَذَا وَنَحْوه الْإِشَارَة بقوله تَعَالَى {وَإِن جنحوا للسلم فاجنح لَهَا وتوكل على الله} الْأَنْفَال 61 ذكر تَعَالَى ذَلِك عقب قَوْله {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَمن رِبَاط الْخَيل} الْأَنْفَال 60 إِشَارَة إِلَى أَن الصُّلْح يجوز وَلَو كَانَ بِالْمُسْلِمين قُوَّة واستعداد كَمَا نبه عَلَيْهِ بعض الْمُفَسّرين فَكيف وَلَا قُوَّة وَلَا استعداد إِلَّا أَن يتداركنا الله بلطف من عِنْده وَاخْتلف الْمُفَسِّرُونَ هَل الْآيَة مَنْسُوخَة أم لَا وَالصَّحِيح كَمَا فِي الْكَشَّاف وَغَيره إِن الْأَمر مَوْقُوف على مايرى فِيهِ الإِمَام مصلحَة لِلْإِسْلَامِ وَأَهله من حَرْب أَو سلم وَلَيْسَ بحتم أَن يقاتلوا أبدا أَو يجابوا إِلَى الْهُدْنَة أبدا اهـ وهذ مَذْهَبنَا وَمذهب غَيرنَا وَلذَلِك جَازَت عندنَا الْهُدْنَة وَإِن على مَال كَمَا مر فدلت الْآيَة الْكَرِيمَة على أَن السّلم أولى من الْحَرْب وَهَذَا هُوَ الْمَعْلُوم الْمُسلم شرعا وطبعا أما الشَّرْع فَهَذِهِ الْآيَة وقصة الْحُدَيْبِيَة وَقَوله تَعَالَى {وَالصُّلْح خير} النِّسَاء 128 وَقَوله {والفتنة أَشد من الْقَتْل} الْبَقَرَة 191 وَهَاتَانِ الْآيَتَانِ وَإِن نزلتا فِي شَيْء خَاص لَكِن يجوز الاستشهاد بهما فِيمَا نَحن فِيهِ وَفِي غَيره إِذْ هما من الْكَلَام الْجَامِع الْجَارِي مجْرى الْمثل وَالْحكمَة وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَا دَعَوْت إِلَى المبارزة قطّ وَمَا دَعَاني أحد إِلَيْهَا إِلَّا أَجَبْته فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ الدَّاعِي إِلَى الْحَرْب بَاغ والباغي مصروع وَأما الطَّبْع فَلَا يحْتَاج إِلَى شَاهد لِأَن كل عَاقل يعلم أَن السّلم خير من الْحَرْب وَقد قَالَ شريك لمعاوية رَضِي الله عَنْهُمَا فِي مقاولة جرت بَينهمَا إِنَّك ابْن حَرْب وَالسّلم خير من الْحَرْب وَقَالَ الْحصين بن نمير السكونِي لِابْنِ الزبير رَضِي الله عَنهُ يَوْم مَاتَ يزِيد اذْهَبْ معي إِلَى الشَّام لأدعو النَّاس إِلَى بيعتك فَلَا يتَخَلَّف عَنْك أحد فَقَالَ ابْن

الصفحة 188