كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)

وشانئ غمرته من الْكفَّار خدام المَاء وأولياء النَّار تحكمت فيهم أَطْرَاف العوالي وصدور الشفار وَتحصل مِنْهُم من تخطاه الْحمام فِي قَبْضَة الأسار فعجبنا من تيسير هَذَا المرام وإخماد الله لهَذَا الضرام وَقُلْنَا تكييف لَا يحصل فِي الأوهام وتسديد لَا تَسْتَطِيع إِصَابَته السِّهَام كلما قدح الْخلاف زندا أطفأ سعدكم شعلته أَو أظهر الشتات ألما أَبْرَأ يمن طائركم علته مَا ذَاك إِلَّا لنِيَّة صدقت معاملتها فِي جنب الله تَعَالَى وَصحت واسترسلت بركتها وسحت وَجِهَاد نذرتموه إِذا فرغت شواغلكم وتمت واهتمام بِالْإِسْلَامِ يَكْفِيهِ الخطوب الَّتِي أهمت فَنحْن نهنيكم بمنح الله ومننه ونسأله أَن يلْبِسكُمْ من إعانته أوقى جننه فأملنا أَن تطرد آمالكم وتنجح فِي مرضات الله أَعمالكُم فمقامكم هُوَ الْعُمْدَة الَّتِي يدافع الْعَدو بسلاحها وتنبلج ظلماته بصفاحها وَكَيف لانهنئكم بصنع على جهتنا يعود وبشابقنا تطلع مِنْهُ السُّعُود فتيقنوا مَا عندنَا من الِاعْتِقَاد الَّذِي رسومه قد اسْتَقَلت وكتفت وديمه بِسَاحَة الود قد وكفت وَالله عز وَجل يَجْعَل لكم الْفتُوح عَادَة وَلَا يعدمكم عناية وسعادة وَهُوَ سُبْحَانَهُ يعلي مقامكم وينصر أعلامكم ويهني الْإِسْلَام أيامكم وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته اه
وَلما نزل أَبُو الْفضل بساحل السوس لحق بِعَبْد الله السكسيوي صَاحب الْجَبَل الْمَنْسُوب إِلَيْهِ ودعا لنَفسِهِ وَكَانَ ذَلِك إِثْر مقدم الْحَاجِب ابْن أبي عَمْرو من فتح بجاية سنة أَربع وَخمسين وَسَبْعمائة فَجهز السُّلْطَان أَبُو عنان إِلَيْهِ عسكره من تلمسان وَعقد على حَرْب السكسيوي وابي الْفضل لوزيره فَارس بن مَيْمُون بن وردار فَسَار حَتَّى نزل على جبل السكسيوي وأحاط بِهِ وَأخذ بمخنقه واختط مَدِينَة لمعسكره وتجمير كتائبه بسفح ذَلِك الْجَبَل سَمَّاهَا الْقَاهِرَة وَلما اشْتَدَّ الْحصار على السكسيوي بعث إِلَى الْوَزير يسْأَله الرُّجُوع إِلَى طَاعَته الْمَعْرُوفَة وَأَن ينْبذ الْعَهْد إِلَى أبي الْفضل ففارقه وانتقل إِلَى جبال المصامدة وَدخل الْوَزير فَارس أَرض السوس فدوخ أقطارها ومهد أكنافها وسارت الألوية والجيوش فِي جهاتها ورتب المسالح فِي ثغورها وأمصارها
وَسَار أَبُو الْفضل ينْتَقل فِي جبال المصامدة إِلَى أَن انْتهى إِلَى صناكة
بَاب التخالف فَافْهَم بل لَو فَرضنَا أَن أهل الْمغرب الْيَوْم مماثلون لِلْعَدو فِي الْقُوَّة والاستعداد لما كَانَ يَنْبَغِي لَهُم ذَلِك لِأَنَّهُ لَيست الْعدة وَحدهَا كَافِيَة فِي الْحَرْب وَلَا كَثْرَة الرِّجَال والمقاتلة وَحدهَا بِالَّذِي يُغني فِيهَا شَيْئا بل لَا بُد مَعَ ذَلِك من اجْتِمَاع الْكَلِمَة وَكَون النَّاس فِيهَا على قلب رجل وَاحِد وَلَا بُد مَعَ ذَلِك من ضَابِط بِجَمْعِهِمْ وقانون يسوسهم حَتَّى تكون الْجَمَاعَة كالبدن الْوَاحِد يقوم جَمِيعًا وَيقْعد جَمِيعًا وَهَذَا معنى مَا صَحَّ فِي الحَدِيث من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُؤمن لِلْمُؤمنِ كالبنيان المرصوص يشد بعضه بَعْضًا فَإِن لم يكن ضَابِط وقانون فَلَا بُد من نَفاذ البصيرة فِي الدّين وَقُوَّة الْيَقِين والألفة فِيمَا بَين الْمُسلمين والغيرة على الوطن والحريم وجودة الرَّأْي والتمرس بالحروب ومكايد الْمُشْركين وَأهل الْمغرب الْيَوْم إِلَّا الْقَلِيل منسلخون من هَذَا كُله أَو جله فقد توالت عَلَيْهِم الأجيال فِي السّلم والهدنة وَبعد عهد أسلافهم فضلا عَنْهُم بِالْحَرْبِ وشدائدها ومعاناة الْأَعْدَاء ومكايدها وَإِنَّمَا هَمهمْ مأكولهم ومشروبهم وملبوسهم كَمَا لَا يخفى حَتَّى لم يبْق من هَذِه الْحَيْثِيَّة فرق بَينهم وَبَين نِسَائِهِم وَلَيْسَ الْخَبَر كالعيان فَكيف يحسن فِي الرَّأْي المسارعة إِلَى عقد الْحَرْب مَعَ أَجنَاس الفرنج وَمَا مثلنَا وَمثلهمْ إِلَّا كَمثل طائرين أَحدهمَا ذُو جناحين يطير بهما حَيْثُ شَاءَ وَالْآخر مقصوصهما وَاقع على الأَرْض لَا يَسْتَطِيع طيرانا وَلَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ سَبِيلا فَهَل ترى لهَذَا المقصوص الجناحين الَّذِي هُوَ لحم على وَضم أَن يحارب ذَلِك الَّذِي يطير حَيْثُ شَاءَ وَهل يكون فِي ذَلِك إِن كَانَ إِلَّا هَلَاك هَذَا وسلامة ذَاك بل وغنيمته فَإِن ذَاك ينقر هَذَا مَتى وجد فِيهِ فرْصَة للنقر وَيبعد عَنهُ ويطير إِذا لم يجدهَا وَهَكَذَا يسْتَمر حَاله مَعَه حَتَّى يُثبتهُ أَو يملكهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَيْسَ فِي طوق هَذَا إِلَّا أَن يَدْفَعهُ عَن نَفسه فِي بعض الأحيان إِذا تأتى لَهُ ذَلِك وَلَكِن إِلَى مَتى فَهَكَذَا حَالنَا مَعَ عدونا فَإِنَّهُ بقراصينه الحربية ذُو أَجْنِحَة كَثِيرَة فَهُوَ علينا بِالْخِيَارِ يهجم علينا فِي ثغورنا إِذا شَاءَ وَيبعد عَنَّا فَلَا ندركه مَتى شَاءَ وقصارانا مَعَه الدّفع عَن أَنْفُسنَا إِذا اتّفقت كلمتنا وَلم تشغلنا غوغاء الْأَعْرَاب من خلفنا وهيهات فقد جرب ذَلِك مرَارًا فصح وَالْمُؤمن لَا يلْدغ من جُحر مرَّتَيْنِ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام وَالْكَلَام فِي

الصفحة 190