كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
والفكر قد غاض مُعينَة وَضعف وعَلى الله جَزَاء الْمولى الَّذِي يُعينهُ فغزتني بكتيبتي بَيَان أسدها هسور وَعلمهَا مَنْصُور وألفاظها لَيْسَ فِيهَا قُصُور ومعانيها عَلَيْهَا الْحسن مَقْصُور واعتراف مثلي بِالْعَجزِ فِي المضايق حول وَمِنْه وَقَول لَا أَدْرِي للْعَالم فَكيف بِغَيْرِهِ جنَّة لَكِنَّهَا بشرتني بِمَا يقل لمؤديه بذل النُّفُوس وَإِن جلت وأطلعتني من السَّرَّاء على وَجه تحسده الشَّمْس إِذا تجلت بِمَا أعلمتني بِهِ من جميل اعْتِقَاد مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أيده الله فِي عَبده وَصدق المخيلة فِي كرم مجده وَهَذَا هُوَ الْجُود الْمَحْض وَالْفضل الَّذِي شكره هُوَ الْفَرْض وَتلك الْخلَافَة المولوية تتصف بِصِفَات من يبْدَأ بالنوال من قبل الضراعة وَالسُّؤَال من غير اعْتِبَار للأسباب وَلَا مجازات للأعمال نسْأَل الله تَعَالَى أَن يبقي مِنْهَا على الْإِسْلَام أَو فِي الظلال ويبلغها من فَضله أقْصَى الآمال وَوصل مَا بَعثه سَيِّدي صحبتهَا من الْهَدِيَّة والتحفة الودية وقبلتها امتثالا واستجليت مِنْهَا عتقا وجمالا وسيدي فِي الْوَقْت أنسب باتخاذ ذَلِك الْجِنْس وأقدر على الاستكثار من إناث البهم وَالْإِنْس وَأَنا ضَعِيف الْقُدْرَة غير مستطيع لذَلِك إِلَّا فِي الندرة فَلَو رأى سَيِّدي ورايه سداد وقصده فضل ووداد أَن ينْقل الْقَضِيَّة إِلَى بَاب الْعَارِية من بَاب الْهِبَة مَعَ وجود الْحُقُوق المترتبة لبسط خاطري وَجمعه وَعمل فِي رفع الْمُؤْنَة على شاكلة حَالي مَعَه وَقد استصحبت مركوبا يشق عَليّ هجره ويناسب مقَامي شكله ونجره وسيدي فِي الْإِسْعَاف على الله أجره وَهَذَا أَمر عرض وَفرض فرض وعَلى نظره الْمعول واعتماد إغضائه هُوَ الْمَعْقُول الأول وَالسَّلَام على سَيِّدي من مُعظم قدره وملتزم بره ابْن الْخَطِيب فِي لَيْلَة الْأَحَد السَّابِع وَالْعِشْرين لذِي الْقعدَة سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة وَالسَّمَاء قد جَادَتْ بمطر سهرت مِنْهُ الأجفان وَظن أَنه طوفان واللحاق فِي غدها بِالْبَابِ المولوي مُؤَمل بحول الله اه
وَلما قدم الْوَزير الْمَذْكُور على السُّلْطَان الْمَذْكُور تقدم الْوَفْد الَّذين مَعَه من وزراء الأندلس وفقهائها وممثل بَين يَدَيْهِ واستأذنه فِي إنشاد شَيْء من الشّعْر يقدمهُ بَين يَدي نَجوَاهُ فَأذن لَهُ وَأنْشد وَهُوَ قَائِم
إِلَى بعض الْأَحِبَّة من فاس بِقصد المذاكرة فِي النَّازِلَة فأجبته عَنْهَا بِمَا نَصه اعْلَم حفظك الله أَن مَا أجَاب بِهِ سادتنا فُقَهَاء فاس من حرمتهَا وَوُجُوب تخلي المخزن عَن بيعهَا هُوَ الْحق الَّذِي لَا محيد عَنهُ لما اشْتَمَلت عَلَيْهِ تِلْكَ الأعشاب من الْمَفَاسِد العديدة الَّتِي كل وَاحِدَة مِنْهَا كَافِيَة فِي الْجَزْم بحرمتها وَقد بَينا شَيْئا من ذَلِك فِي كتاب الِاسْتِقْصَاء عِنْد الْكَلَام على حدوثها ودخولها لبلاد الْمغرب أَيَّام الْمَنْصُور السَّعْدِيّ فلينظره من أَرَادَهُ فَإِنَّهُ كَاف فِي هَذَا الْبَاب وَأما مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْكتاب الشريف من أَن مصلحَة احتياز المخزن لَهَا واستبداده بِبَيْعِهَا هِيَ التَّضْيِيق على مستعمليها حَتَّى لَا يَتَنَاوَلهَا مِنْهُم إِلَّا الملي بِثمنِهَا دون الْفَقِير الخ فَهِيَ مصلحَة موهوبة أَو مَعْدُومَة لجزمنا بِأَن الْحَامِل لمتعاطيها على اسْتِعْمَالهَا إِنَّمَا هُوَ التبذل وَقلة الْمُرُوءَة ورقة الدّيانَة وخسة النَّفس وَسُقُوط الهمة كَمَا أَن الْوَازِع لمن لم يتعاطاها إِنَّمَا هُوَ كَمَال الْمُرُوءَة ومتانة الدّيانَة وَشرف النَّفس وعلو الهمة لَا فقدان ذَلِك الثّمن التافه كَيفَ لَا وَهِي لَا يتعاطاها فِي الْغَالِب إِلَّا الْفُقَرَاء المقلون فمصلحة التَّضْيِيق عَلَيْهِم فِي ثمنهَا مفقودة كَمَا ترى وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَالْوَاجِب شرعا ومروءة هُوَ تَنْزِيه منصب الْإِمَامَة الإسلامية والخلافة النَّبَوِيَّة الَّتِي هِيَ أهم الخطط الدِّينِيَّة والمناصب الشَّرْعِيَّة عَن التِّجَارَة فِيهَا وتطهير تِلْكَ الساحة الْكَرِيمَة من التلوث بأقذارها إِذْ لَا يُنَاسب ذَلِك حَال مُطلق الْمُسلمين فَكيف بجناب أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَيْضًا فَفِي تنَاول ذَلِك الجناب لَهَا بِالتِّجَارَة والاستبداد بِالرِّبْحِ تهييج للعامة عَلَيْهَا وإغراء لَهُم بتعاطيها كَمَا قَرَّرَهُ عُلَمَاء فاس حفظهم الله وَلَو نهوا عَنْهَا لما انْتَهوا بل رُبمَا احْتَجُّوا بِأَنَّهَا لَو كَانَت حَرَامًا مَا احتازها المخزن واستبد بربحها وَمن الْعَادة المقررة أَنه لَا يمتثل إِلَّا قَول الممتثل وَلَا يؤتمر إِلَّا بِأَمْر المؤتمر وَلما انبرم الصُّلْح بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين قُرَيْش يَوْم الْحُدَيْبِيَة وَأمر أَصْحَابه أَن ينحروا ويحلقوا أَمْسكُوا وَلم يَفْعَلُوا حَتَّى قَالَ ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فَلَمَّا لم يقم مِنْهُم أحد قَامَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدخل على أم سَلمَة فَذكر لَهَا مَا لَقِي من النَّاس فَقَالَت أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا يَا نَبِي الله اخْرُج ثمَّ لَا تكلم مِنْهُم أحدا كلمة حَتَّى تنحر بدنك وَتَدْعُو حالقك فيلحقك فَخرج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الصفحة 194