كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)

السائر من إجلاله وشكر خلاله على لاحب طرقه المستضيء فِي ظلمَة الْخطب بِنور أفقه الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد بن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن فرج بن نصر سَلام كريم بر عميم يخص مقامكم الْأَعْلَى وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته أما بعد حمد الله الَّذِي لاراد لأَمره وَلَا معَارض لفعله مصرف الْأَمر بقدرته وحكمته وعدله الْملك الْحق الَّذِي بِيَدِهِ ملاك الْأَمر كُله مُقَدّر الْآجَال والأعمار فَلَا يتَأَخَّر شَيْء عَن مِيقَاته وَلَا يبرح عَن مَحَله جَاعل الدُّنْيَا مناخ نَقله لَا يغتبط الْعَاقِل بِمِائَة وَلَا بظله وسبيل رحْلَة فَمَا أكثب ظعنه من حلّه وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد صفوة خلقه وخيرة أنبيائه وَسيد رسله الَّذِي نعتصم بِسَبَبِهِ الْأَقْوَى ونتمسك بحبله ونمد يَد الافتقار إِلَى فَضله ونجاهد فِي سَبيله من كذب بِهِ أَو حاد عَن سبله ونصل إِلَيْهِ ابْتِغَاء مرضاته وَمن أَجله وَالرِّضَا عَن آله وأحزابه وأنصاره وَأَهله المستولين من ميدان الْكَمَال على خصله وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَعْلَى بعز نَصره ومضاء فَضله فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم كتب الله تَعَالَى لكم وقاية لَا تطرق الخطوب حماها وعصمة ترجع عَنْهَا سِهَام النوائب كلما فَوْقهَا الدَّهْر ورماها وعناية لَا تغير الْحَوَادِث اسْمهَا وَلَا مسماها وَعزا يزاحم أجرام الْكَوَاكِب منتماها من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله تَعَالَى وَنعم الله سُبْحَانَهُ تتواتر لدينا دفعا ونفعا وألطافه نتعرفها وترا وشفعا ومقامكم الأبوي هُوَ الْمُسْتَند الْأَقْوَى والمورد الَّذِي ترده آمال الْإِسْلَام فتروي وتهوي إِلَيْهِ أفئدتهم فتجد مَا تهوى ومثابتكم الْعدة الَّتِي تأسست مبانيها على الْبر وَالتَّقوى وَإِلَى هَذَا وصل الله تَعَالَى سعدكم وَأبقى مجدكم فَإنَّا لما نعلم من مساهمة مجدكم الَّتِي يقتضيها كرم الطباع وطباع الْكَرم وَتَدْعُو إِلَيْهَا ذمم الرَّعْي ورعي الذمم نعرفكم بعد الدُّعَاء لملككم بدفاع الله تَعَالَى عَن إرتقائه وامتاع الْمُسلمين بِبَقَائِهِ بِمَا كَانَ من وَفَاة مَوْلَانَا الْوَالِد نَفعه تَعَالَى بالسعادة الَّتِي ألبسهُ حلتها وَالشَّهَادَة الَّتِي فِي أَعمالهَا الزكية كتبهَا والدرجة الْعَالِيَة الَّتِي حتمها لَهُ وأوجبها وَبِمَا تصير لنا من أمره وَضم بِنَا من نشره وسدل على من خَلفه من ستره وَإِنَّهَا لعبرة لمن ألْقى السّمع وموعظة تهز الْجمع وَترسل الدمع وحادثة أجمل الله تَعَالَى فِيهَا
يستبد من تِلْكَ الممنوعات بِمَا شَاءَ هَذَا حَاصِل تِلْكَ الشُّرُوط وَإِن طَالَتْ وامتدت إِذا علمت هَذَا فَكيف يتخوف عِنْد امْتنَاع السُّلْطَان من بيع تِلْكَ الأعشاب مَعَ اسْتِمْرَار منع الرّعية مِنْهَا أَيْضا الْإِتْيَان بهَا من بر النَّصَارَى ومتاجرتهم بهَا فِي أسواق الْمُسلمين وَنصب الدكاكين لَهَا الخ هَذَا لَا يتَوَهَّم نعم يتخوف من ذَلِك إِذا امْتنع السُّلْطَان من بيعهَا وَأذن للنَّاس فِيهِ وَأطلق لَهُم يَد التَّصَرُّف بِهِ وَلَيْسَ هَذَا مُرَاد السُّلْطَان أيده الله وَإِن أَوْهَمهُ لفظ الْكتاب الشريف حَيْثُ قَالَ طالما قدمنَا رجلا وأخرنا أُخْرَى فِي تَسْرِيح الصاكة الخ وَلَعَلَّ الْكَاتِب أَو المملي عَلَيْهِ لم يحرر مُرَاد السُّلْطَان أيده الله فنسج الْكتاب على ذَلِك المنوال وأوهم أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ أعزه الله يُرِيد أَن يمْتَنع من بيع تِلْكَ الأعشاب تقذرا لَهَا وتأففا مِنْهَا ويبيحها لرعيته من الْمُسلمين وَغَيرهم ومعاذ الله أَن يكون هَذَا مُرَاده كَيفَ وَهُوَ أيده الله من أخْشَى الْمُلُوك وأتقاهم لله وأحبهم لرعاياه وأحدبهم عَلَيْهَا وأحرصهم على جلب النَّفْع لَهَا وَدفع الضّر عَنْهَا وأعلمهم بقول جده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يكون الْمُؤمن مُؤمنا حَتَّى يحب لِأَخِيهِ الْمُؤمن مَا يحب لنَفسِهِ فقد بَان لَك من هَذَا التَّقْرِير أَن الْوَاجِب شرعا ومروءة هُوَ الْمُبَادرَة إِلَى رفض التِّجَارَة فِي تِلْكَ الأعشاب وتطهير ساحة الْإِمَامَة الإسلامية من قذرها قَالَ الله تَعَالَى فِي وصف رَسُوله صلوَات الله عَلَيْهِ {وَيحل لَهُم الطَّيِّبَات وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث} الْأَعْرَاف 157 وكما يجب على أَمِير الْمُؤمنِينَ أيده الله تَطْهِير ساحة الْخلَافَة مِنْهَا يجب عَلَيْهِ السَّعْي فِي تَطْهِير ساحة الْمُسلمين أَيْضا مِنْهَا لما أسلفناه آنِفا فَإِن قلت أما مَا ذكرته من الْمُبَادرَة إِلَى تَطْهِير ساحة الْخلَافَة مِنْهَا فسهل متيسر إِن شَاءَ الله وَأما تَطْهِير ساحة الْمُسلمين مِنْهَا فَيظْهر أَنه فِي غَايَة الصعوبة لِأَن الْعَامَّة إِذا حملُوا على رفضها كرة وألجئوا إِلَى ترك اسْتِعْمَالهَا بالمرة ضَاقَ بهم المتسع وَسَاءَتْ أَخْلَاقهم وحاصوا حَيْصَة حمر الْوَحْش وَرُبمَا صدر مِنْهُم مَا لَا يَنْبَغِي من الإعلان بِالْخِلَافِ والمجاهرة بالعصيان
وَمن وَصَايَا أرسطوطاليس الْحَكِيم لتلميذه الْإِسْكَنْدَر يَا إسكندر تغافل عَن الْعَامَّة مَا أمكن وَلَا تلجئها أَن تَقول فِيك إِلَّا خيرا فَإِن الْعَامَّة إِذا قدرت

الصفحة 196