كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)

نفس وَلَا نبض للفتنة وَلَا أغفل للدّين حق فاستند النَّقْل إِلَى نَصه وَلم يعْدم من فقيدنا غير شخصه وبادرنا إِلَى مُخَاطبَة الْبِلَاد نمهدها ونسكنها ونقرر الطَّاعَة فِي النُّفُوس ونمكنها وأمرنا النَّاس بهَا بكف الْأَيْدِي وَرفع التَّعَدِّي وَالْعَمَل من حفظ شُرُوط المسالمة المعقودة بِمَا يجدي من شَره مِنْهُم للفرارا عاجلناه بالإنكار وصرفنا على النَّصَارَى مَا أوصاه مصحبا بالإعتذار وخاطبنا صَاحب قشتالة نرى مَا عِنْده فِي صلَة السّلم إِلَى أمدها من الْأَخْبَار واتصلت بِنَا البيعات من جَمِيع الأقطار وَعفى على حزن الْمُسلمين بوالدنا مَا ظهر عَلَيْهِم بولايتنا من الإستبشار واستبقوا تطير بهم أَجْنِحَة الإبتدار جعلنَا الله تَعَالَى مِمَّن قَابل الْحَوَادِث بالإعتبار وَكَانَ على حذر من تصاريف الأقدار وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار وأعاننا على إِقَامَة دينه فِي هَذَا الوطن الْغَرِيب الْمُنْقَطع بَين الْعَدو الطاغي وَالْبَحْر الزخار وألهمنا من شكره مَا يتكفل بالمزيد من نعمه وَلَا قطع عَنَّا عوائد كرمه وَإِن فَقدنَا والدنا فَأَتمَّ لنا من بعده الْوَالِد والذخر الَّذِي تكرم مِنْهُ العوائد وَالْحب يتوارث كَمَا ورد فِي الْأَخْبَار الَّتِي صحت مِنْهَا الشواهد وَمن أعد مثلكُمْ لِبَنِيهِ فقد تيسرت من بعد الْمَمَات أمانيه وتأسست قَوَاعِد ملكه وتشيدت مبانيه فالإعتقاد الْجَمِيل مَوْصُول وَالْفُرُوع لَهَا فِي التَّشَيُّع إِلَيْكُم أصُول وَفِي تَقْرِير فخركم محصول وَأَنْتُم ردء الْمُسلمين بِهَذِهِ الْبِلَاد الْمسلمَة الَّذِي يعينهم بإرفاده وَيَنْصُرهُمْ بإنجاده ويعامل الله تَعَالَى فِيهَا بِصدق جهاده وعندما اسْتَقر هَذَا الْأَمر الَّذِي تبِعت المحنة فِيهِ المنحة وراقت من فضل الله تَعَالَى ولطفه فِيهِ الصفحة وأخذنا الْبيعَة من أهل حضرتنا بعد استدعاء خواصهم وأعيانهم وتزاحمت على رقها المنشور خطوط أَيْمَانهم وتأصلت قَوَاعِد ألفاظها ومعانيها فِي قُلُوبهم وآذانهم وضمنوا الْوَفَاء بِمَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ وَقد خبر سلفنا وَالْحَمْد لله وَفَاء ضمانهم بادرنا تَعْرِيف مقامكم الَّذِي نعلم مساهمته فِيمَا سَاءَ وسر أحلى وَأمر عملا بِمُقْتَضى الخلوص الَّذِي ثَبت وَاسْتقر وَالْحب الَّذِي مَا مَال يَوْمًا وَلَا أَزور وَمَا أَحَق تَعْرِيف مقامكم بِوُقُوع هَذَا الْأَمر الْمَحْذُور وانجلاء ليله عَن صبح الصنع البادي السفور وَإِن كُنَّا قد خاطبنا من خدامكم من يُبَادر إعلامكم بالأمور إِلَّا
حرم عَلَيْهِم شَيْء أَشد عَلَيْهِم من الْخمر اهـ إِذا علمت هَذَا فَنَقُول كَذَلِك يَنْبَغِي لأمير الْمُؤمنِينَ أيده الله أَن يسْعَى فِي تَطْهِير رَعيته من خبث هَذِه الأعشاب الَّتِي لَا شَيْء أَخبث مِنْهَا كَمَا أوضحته فِي كتاب الِاسْتِقْصَاء ويسلك مَعَهم فِيهَا سَبِيل التدريج صارفا همته إِلَيْهِ ومستعينا بِاللَّه ومتوكلا فِي ذَلِك عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يصعب ذَلِك عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله
(إِذا كَانَ عون الله للمرء ناصرا ... تهَيَّأ لَهُ من كل صَعب مُرَاده)
وَقَالَ البوصيري لسَيِّد الْوُجُود صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقُول ولأمير الْمُؤمنِينَ من حَال جده قسط وَالْحَمْد لله
(كل أَمر تعنى بِهِ تغلب الْأَعْيَان ... فِيهِ ويعجب البصراء)
وَكَيْفِيَّة التدريج فِي ذَلِك أَن يَأْمر أيده الله عُلَمَاء الْمجَالِس وخطباء المنابر ووعاظ الكراسي بالتواطىء على ذمّ تِلْكَ الأعشاب وتقبيحها فِي نفوس الْعَامَّة وإبداء معايبها لَهُم وَشرح مفاسدها لديهم والتغليظ فِي ذَلِك بأبلغ مَا يُمكن وَمن قدر على تأليف أَلفه أَو شعر نظمه أَو رِسَالَة أَنْشَأَهَا ويستمرون على ذَلِك ثَلَاثَة أشهر أَو أَرْبَعَة أَو أَكثر من ذَلِك فَإِن ذَلِك لَا بُد أَن يُؤثر فِي نفوس الْعَامَّة بعض التَّأْثِير فَإِن الهمم إِذا تواطأت على شَيْء أثرت فِيهِ بعون الله لَا سِيمَا همم أهل الْخَيْر وَفِي الحَدِيث يَد الله مَعَ الْجَمَاعَة ثمَّ بعد مُضِيّ هَذِه الْمدَّة وتقرر قبحها فِي نفوس الْعَامَّة يكْتب أَمِير الْمُؤمنِينَ أيده الله إِلَى قُضَاته وَيَأْمُرهُمْ بتفقد الشُّهُود وأئمة الْمَسَاجِد فَمن عثروا عَلَيْهِ أَنه يسْتَعْمل شَيْئا من تِلْكَ الْخَبَائِث أسقطوا شَهَادَته وحظروا إِمَامَته وَأَن لَا يقبلوه وَلَو فِي اللفيف ويوالي الْكِتَابَة والاعتناء بذلك مُدَّة مثل الأولى أَو أَكثر فَيَزْدَاد قبحها فِي نفوس الْعَامَّة وتعزف نفوس كثير مِنْهُم عَنْهَا ثمَّ بعد هَذَا كُله يكْتب لولاة الْأَمْصَار وعمال الْبَوَادِي أَن يتقدموا إِلَى رعاياهم بِمَنْع ازدراعها وادخار شَيْء مِنْهَا أَو التِّجَارَة فِيهِ بِوَجْه من الْوُجُوه فَإِذا تمّ هَذَا الْغَرَض على هَذَا الْوَجْه تخلى هُوَ حِينَئِذٍ عَن بيعهَا وَأمر بإحراق بَاقِيهَا وسد حاناتها الْمُسَمَّاة فِي عرفنَا بالقهاوي وَيمْنَع النَّاس من اسْتِعْمَالهَا فِي المجامع الْعَامَّة كالأسواق وَنَحْوهَا ويشدد فِي ذَلِك ويعلن بالنداء فِي جَمِيع الإيالة المغربية بِأَن حكم هَذِه

الصفحة 198