كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)

أَنه أَمر لَهُ مَا بعده وحادث يَأْخُذ حَده ونبعث إِلَى بَابَكُمْ من شَاهد الْحَال مَا بَين وُقُوعهَا إِلَى استقرارها رَأْي العيان وَتَوَلَّى تسديد الْأُمُور بِأَعْمَالِهِ الْكَرِيمَة ومقاصده الحسان ليَكُون أبلغ فِي الْبر وأشرح للصدر وأوعب للْبَيَان فوجهنا إِلَيْكُم وَزِير أمرنَا وَكَاتب سرنا الْفَقِيه الْأَجَل أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن الْخَطِيب وألقينا إِلَيْهِ من تَقْرِير تعويلنا على ذَلِك الْمقَام الْأَسْنَى واستنادنا من التَّشَيُّع إِلَيْهِ إِلَى الرُّكْن الوثيق الْمَبْنِيّ مَا نرجو أَن يكون لَهُ فِيهِ الْمقَام الأغنى وَالثَّمَرَة العذبة الْمَجْنِي فلاهتمامه بِهَذَا الْغَرَض الأكيد الَّذِي هُوَ أساس بنائنا وقامع أَعْدَائِنَا آثرنا تَوْجِيهه على توفر الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ ومدار الْحَال عَلَيْهِ والمرغوب من أبوتكم المؤملة أَن يتلقاه قبُولهَا بِمَا يَلِيق بِالْملكِ العالي والخلافة السامية الْمَعَالِي وَالله عز وَجل يديم أيامكم لصلة الْفضل المتوالي ويحفظ مجدكم من غير الْأَيَّام والليالي وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل سعدكم ويحرس مجدكم ويوالي نصركم وعضدكم وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته اه
وللسلطان الْغَنِيّ بِاللَّه هَذَا مَعَ السُّلْطَان أبي عنان رحمهمَا الله مراسلات عديدة ومكاتبات مديدة قد ذكر صَاحب نفح الطّيب مِنْهَا جملَة وافرة مَعَ التَّنْبِيه على أَسبَابهَا فانظرها فِيهِ إِن شِئْت وَأكْرم السُّلْطَان أَبُو عنان الْوَزير ابْن الْخَطِيب فِي هَذِه الْوِفَادَة وَغَيرهَا إِكْرَاما بليغا وَلما انْصَرف عَنهُ مدحه بقصيدة طَوِيلَة طنانة يَقُول فِي أَولهَا
(أبدى لداعي الْفَوْز وَجه منيب ... وأفاق من عذل وَمن تأنيب)
وَيَقُول فِي أَثْنَائِهَا
(يَا نَاصِر الدّين الحنيف وَأَهله ... إنضاء مسغبة وفل خطول)
(حقق ظنون بنيه فِيك فَإِنَّهُم ... يتعللون بوعدك المرقوب)
(ضَاقَتْ مَذَاهِب نَصرهم فتعلقوا ... بجناب عز من علاك رحيب)
(ودجا ظلام الْكفْر فِي آفاقهم ... أَو لَيْسَ صبحك مِنْهُم بقريب)
(فَانْظُر بِعَين الْعِزّ من ثغر غَدا ... حذر العدا يرنو بِطرف مريب)
(نادتك أندلس ومجدك ضَامِن ... أَلا يخيب لديك ذُو مَطْلُوب) وَهِي طَوِيلَة
الأعشاب حكم الْخمر فَكَمَا لَا يتجاهر بِالْخمرِ فِي الْأَسْوَاق وَنَحْوهَا كَذَلِك لَا يتجاهر بِاسْتِعْمَال هَذِه الأعشاب فِيهَا وَمن فعل ذَلِك أدب أدبا يَلِيق بِهِ ويرتدع بِهِ غَيره فَهَذَا أقْصَى مَا يَفْعَله السُّلْطَان والتوفيق بعد ذَلِك بيد الله وَإِذا تمّ هَذَا الْعَمَل فِي نَحْو ثَلَاث سِنِين فَهُوَ قريب وَإِذا يسر الله ذَلِك كَانَ فِيهِ بشرى للْمُسلمين وعنوانا لَهُم على تَجْدِيد دينهم ولعمري مَا كَانَ أَمر الْخمر فِي الْعَرَب إِلَّا أرسخ من أَمر هَذِه الأعشاب فِي النَّاس الْيَوْم بِكَثِير وَأَن الشُّبْهَة كَانَت فِيهَا أقوى مِنْهَا فِي هَذِه وَذَلِكَ مَظَنَّة سهولة زَوَالهَا وتطهير الْبِلَاد والعباد مِنْهَا وَمَا ذَلِك على الله بعزيز قَالَه وَكتبه أَحْمد بن خَالِد الناصري لطف الله بِهِ فِي خَامِس عشر ربيع الثَّانِي سنة أَربع وثلاثمائة وَألف
ثمَّ إِن السُّلْطَان أيده الله رفض التِّجَارَة فِيهَا وأحرق مَا كَانَ محوزا لجَانب المخزن مِنْهَا وَمنع تجار الْأَجْنَاس من جلبها إِلَى قطر الْمغرب إِلَّا الْقدر الَّذِي يستعملونه فِي خَاصَّة أنفسهم مِنْهَا بِشَرْط تعشيره وَقصر نُزُوله على مرسى طنجة دون سَائِر المراسي المغربية وَالْحَال على ذَلِك لهَذَا الْعَهْد
وَلما دخلت سنة خمس وثلاثمائة وَألف غزا السُّلْطَان مولَايَ الْحسن أيده الله آيت ومالو من برابرة فازاز وهم بطن من صنهاجة يشْتَمل على أفخاذ كَثِيرَة مثل ظيان وَبني مكيلد وشقيرين وآيت سخمان وآيت يسري وَغَيرهم أُمَم لَا يحصيهم إِلَّا خالقهم قد عمروا جبال فازاز وملؤوا قننها وتحصنوا بأوعارها مُنْذُ تملك البربر الْمغرب قبل الْإِسْلَام بأعصار طَوِيلَة فَلَمَّا كَانَت السّنة الْمَذْكُورَة خرج السُّلْطَان من مكناسة الزَّيْتُون عَاشر رَمَضَان مِنْهَا بِقصد غَزْو هَذِه الْقَبَائِل العاصية وتدويخ بلادها إِذْ لم تكن تبذل الطَّاعَة إِلَّا للْوَاحِد بعد الْوَاحِد من مُلُوك دوَل الْمغرب فِي الْأَعْصَار المتراخية حَسْبَمَا يعلم مِمَّا أسلفناه فِي هَذَا الدِّيوَان من أخبارهم وأخبار غَيرهم فَانْتهى السُّلْطَان إِلَى تِلْكَ الْجبَال ودوخها ثمَّ إِلَى قَصَبَة آدخسان الَّتِي بناها الْمولى إِسْمَاعِيل رَحمَه الله فوفد عَلَيْهِ هُنَاكَ جلّ تِلْكَ الْقَبَائِل وبذلوا الطَّاعَة وأظهروا الخضوع وبذلوا الْمُؤَن والأنزال للجيش والهدايا للسُّلْطَان إِلَّا مَا كَانَ من آيت سخمان فَإِنَّهُم أظهرُوا الطَّاعَة أَولا كغيرهم وطلبوا من السُّلْطَان أَن يبْعَث مَعَهم طَائِفَة من

الصفحة 199