كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
قدره فتحركت همة السُّلْطَان أبي عنان لزيارته والإقتباس مِمَّا يفتح الله بِهِ من وعظه وإشارته فارتحل سنة سبع وَخمسين وَسَبْعمائة إِلَى سلا فَقَدمهَا وحرص على الإجتماع بالشيخ الْمَذْكُور ووقف بِبَابِهِ مرَارًا فَلم يَأْذَن لَهُ وترصده يَوْم الْجُمُعَة بعد الصَّلَاة وَلما انفض النَّاس تبعه على قَدَمَيْهِ وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ لَا يرَاهُ فَقَالَ السُّلْطَان عِنْد ذَلِك لقد منعنَا من هَذَا الْوَلِيّ ثمَّ أرسل إِلَيْهِ وَلَده رَاغِبًا ومستعطفا فَأَجَابَهُ بِمَا قطع رَجَاءَهُ من لِقَائِه غير أَنه كتب إِلَيْهِ كتابا وعظه فِيهِ وَذكره فسر السُّلْطَان أَبُو عنان بذلك الْكتاب وحزن لما فَاتَهُ من الإجتماع بالشيخ وَقد ذكر الْفَقِيه الْعَلامَة الْبركَة أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عَاشر بن عبد الرَّحْمَن السلاوي الْمَدْعُو بالحافي فِي كِتَابه تحفة الزائر فِي مَنَاقِب الشَّيْخ ابْن عَاشر نَص هَذَا الْكتاب وَلم يحضرني الْآن فَانْظُرْهُ فِيهِ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
غَزْوَة السُّلْطَان أبي عنان إفريقية وَفتح قسنطينة ثمَّ فتح تونس بعْدهَا
لما كَانَ أَيَّام التَّشْرِيق من سنة سبع وَخمسين وَسَبْعمائة اعتزم السُّلْطَان أَبُو عنان على النهوض إِلَى إفريقية واضطرب مُعَسْكَره بِسَاحَة فاس الْجَدِيد وَبعث فِي الحشد إِلَى مراكش وأوعز إِلَى بني مرين بِأخذ الأهبه للسَّفر وَجلسَ للعطاء وَعرض الْجنُود من لدن عزمه على النهوض إِلَى شهر ربيع الأول من سنة ثَمَان وَخمسين بعْدهَا ثمَّ ارتحل من فاس وسرح فِي مقدمته وزيره فَارس بن مَيْمُون فِي العساكر وَسَار هُوَ فِي ساقته على التعبية إِلَى أَن احتل ببجاية وتلوم لإزاحة الْعِلَل ثمَّ نَازل الْوَزير قسنطينة وَجَاء السُّلْطَان على أَثَره وَلما أطلت راياته وَمَاجَتْ الأَرْض بجُنُوده ذعر أهل الْبَلَد وألقوا بِأَيْدِيهِم إِلَى الأذعان وانفضوا من حول سلطانهم أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر الحفصي وجاؤوا مهطعين إِلَى السُّلْطَان أبي عنان وتحيز الحفصي فِي خاصته إِلَى القصبة ثمَّ طلبُوا الْأمان من السُّلْطَان أبي عنان فبذله لَهُم وَخَرجُوا وأنزلهم بمعسكره أَيَّامًا ثمَّ بعث بِأبي الْعَبَّاس فِي
سنة خمس وثلاثمائة وَألف ثمَّ قفل السُّلْطَان رَاجعا فَدخل مكناسة الزَّيْتُون أَوَاخِر ذِي الْحجَّة خَاتِمَة السّنة الْمَذْكُورَة
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وثلاثمائة وَألف فِيهَا غزا السُّلْطَان جبال غمارة فَخرج من حَضْرَة فاس عَاشر شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة فسلك تِلْكَ الْجبَال ودوخها وزار تربة الشَّيْخ الْأَكْبَر والكبريت الْأَحْمَر أَبَا مُحَمَّد عبد السَّلَام بن مشيش رَضِي الله عَنهُ ثمَّ تقدم إِلَى مَدِينَة تطاوين فَدَخلَهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن الْمحرم من السّنة الَّتِي تَلِيهَا أَعنِي سنة سبع وثلاثمائة وَألف فَأَقَامَ بهَا نَحْو الْخَمْسَة عشر يَوْمًا وزار صلحاءها وَتَطوف فِي معالمها وتبارى وُجُوه أهل تطاوين وكبراؤهم فِي الإهداء إِلَيْهِ وبذل المجهود فِي الاعتناء بحاشيته وجيشه وأعجب ذَلِك السُّلْطَان وحاشيته وَرَأَوا مِنْهُم مَا تقر بِهِ أَعينهم وأنعم عَلَيْهِم السُّلْطَان بِعشْرَة آلَاف ريال لبِنَاء قنطرة يرتفقون بهَا فِي وَادِيهمْ الْمُحِيط بمدينتهم لَكِن لم يحصل مَقْصُود من ذَلِك لعدم إتقان بنائها فتهدمت فِي الْحَال وَضاع ذَلِك المَال ثمَّ سَار السُّلْطَان من تطاوين إِلَى طنجة ثمَّ مِنْهَا إِلَى العرائش ثمَّ عَاد إِلَى فاس فَأَقَامَ بهَا إِلَى أواسط شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ غزا آيت سخمان الَّذين قتلوا ابْن عَمه مولَايَ سرُور فأوقع بهم وَقبض على نفر مِنْهُم وَلم يتَمَكَّن مِنْهُم على مَا يَنْبَغِي ثمَّ سَار إِلَى مراكش فأعرس لجَماعَة من بنيه وَبنَاته ووفدت عَلَيْهِ الْوُفُود من أقطار الْمغرب بالتهنئة وتباروا فِي الْهَدَايَا والتحف على مَا يَنْبَغِي وَبَالغ السُّلْطَان فِي إكرامهم وإفاضة الإنعام عَلَيْهِم وَاسْتمرّ أيده الله على كرْسِي ملكه وأريكة عزه وسلطانه وَالْأَيَّام سلم لَهُ وَالدُّنْيَا مهنأة بعزه وَنَصره والرعية طوع نَهْيه وَأمره إِلَّا مَا كَانَ من نواب أَجنَاس الدول فَإِنَّهُم أَكْثرُوا التَّرَدُّد إِلَيْهِ والاقتراحات عَلَيْهِ والتلونات لَدَيْهِ فَمرَّة بالنصائح الفارغة وَمرَّة بالتظلمات الْبَاطِلَة والحجج الْوَاهِيَة وَأُخْرَى بِطَلَب التَّخْفِيف من الأعشار والتنقيص من الصاكات إِلَى غير ذَلِك مِمَّا لَا تكَاد تقوم لَهُ الْجبَال الراسية وَهُوَ يدافعهم ويراوغهم وحيدا لَا نَاصِر لَهُ وَلَا معِين إِلَّا الله الَّذِي أيد بِهِ الدّين وعصم بِهِ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين
وَلما كَانَت سنة عشر وثلاثمائة وَألف خرج السُّلْطَان مولَايَ الْحسن أيده
الصفحة 201