كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)

الأسطول إِلَى سبتة فاعتقله بهَا وَعقد على قسنطينة لمنصور بن الْحَاج خلوف الياباني من شُيُوخ بني مرين وَأهل الشورى مِنْهُم وأنزله بالقصبة فِي شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة ووصلت إِلَيْهِ بيعات أُمَرَاء الْأَطْرَاف من توزر ونفطة وَقَابِس وَغَيرهَا ووفد عَلَيْهِ أَوْلَاد مهلهل أُمَرَاء بني كَعْب من سليم وأقبال بني أبي اللَّيْل مِنْهُم يستحثونه لملك تونس فسرح مَعَهم العساكر وَعقد عَلَيْهَا ليحيى بن عبد الرَّحْمَن بن تاشفين وَبعث أسطوله فِي الْبَحْر مدَدا لَهُم وَعقد عَلَيْهِ للرئيس مُحَمَّد بن يُوسُف الْمَعْرُوف بالأبكم من أُمَرَاء بني الْأَحْمَر
وَكَانَ سُلْطَان تونس يَوْمئِذٍ أَبَا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أبي بكر الحفصي وَلما اتَّصل بِهِ خبر بني مرين أخرج حَاجِبه أَبَا مُحَمَّد بن تافراجين لقتالهم فزحفت الجيوش إِلَى تونس وَوصل الأسطول إِلَى مرْسَاها فَقَاتلهُمْ ابْن تافارجين يَوْمًا أَو بعض يَوْم ثمَّ ركب اللَّيْل إِلَى المهدية فتحصن بهَا وَدخل أَوْلِيَاء السُّلْطَان إِلَى تونس فِي رَمَضَان من سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة وَأَقَامُوا بهَا الدعْوَة المرينية واحتل يحيى بن عبد الرَّحْمَن بالقصبة وأنفذ الْأَوَامِر وَكتب إِلَى السُّلْطَان أبي عنان بِالْفَتْح فَعظم سروره وَنظر بعد ذَلِك فِي أَحْوَال ذَلِك الْقطر وَقبض أَيدي الْعَرَب من ريَاح عَن الإتاوة الَّتِي يسمونها الخفارة فارتابوا وطالبهم بِالرَّهْنِ عَن الطَّاعَة فَأَجْمعُوا الْخلاف والتفوا على أَمِيرهمْ يَعْقُوب بن عَليّ وَلَحِقُوا بالزاب وارتحل السُّلْطَان فِي اثرهم فأجفلوا أَمَامه إِلَى القفر فخرب حصونهم الَّتِي بالزاب وَرجع عَنْهُم وَحمل لَهُ ابْن مزني عَامل بسكرة والزاب جبايته وَأطلق الْمُؤَن للعسكر من الإدام وَالْحِنْطَة والحملان والعلوفة ثَلَاثَة أَيَّام وكافأه السُّلْطَان على صَنِيعه فَخلع عَلَيْهِ وعَلى أَهله وَولده وأسنى جوائزهم
وَرجع إِلَى قسنطينة واعتزم على الرحلة إِلَى تونس وَضَاقَتْ العساكر ذرعا بشأن النَّفَقَات والإبعاد فِي الرحلة وارتكاب الْخطر فِي دُخُول إفريقية
الله غازيا صحراء تافيلالت وقبائلها فَخرج إِلَيْهَا من فاس عقب عيد الْأَضْحَى من السّنة الْمَذْكُورَة فَقضى الأوطار من تمهيد تِلْكَ الأقطار على مَا يَنْبَغِي ثمَّ كتب كتابا إِلَى وُلَاة الْمغرب يصف فِيهِ الْحَال وَمَا قاساه فِي تِلْكَ السفرة من الْحل والارتحال فَقَالَ فِي كِتَابه بعد الِافْتِتَاح والطابع الْمُشْتَمل على اسْمه الْمُبَارك مَا نَصه وَبعد فَإِن الله تَعَالَى لما أَقَامَ عَبده بمحض الْفضل وَالِاخْتِيَار وأورثه الأَرْض وَعمر بِهِ الأقاليم والديار لم تكن لنا همة فِيمَا عدا السَّعْي فِي صَلَاح الْمُسلمين وانتظام أُمُورهم وَجمع كلمة الْمُؤمنِينَ وَلم نأل فِي ذَلِك جهدا حَتَّى يسر الله سُبْحَانَهُ قبل فِي الْوُصُول إِلَى سَائِر قبائل رعيتنا السعيدة وتخللنا أراضيهم كلهَا بجيوش الله المصحوبة بالعناية المزيدة فَلم نَتْرُك من الأقاليم إِلَّا النزر الْغَيْر الْمُعْتَبر أَو مَا كَانَ فِي الْوُصُول إِلَيْهِ إِلَّا مُجَرّد الْمَشَقَّة وَالضَّرَر وتفقدنا من أحوالها الْأُمُور وأجريناها على مَا يُرْضِي الله من الاسْتقَامَة فِي الْوُرُود والصدور وَكَانَ مِمَّا بَقِي علينا الْوُصُول إِلَيْهِ هَذِه الأصقاع الصحراوية والمعاقل البربرية الَّتِي كَانَ يفهم قبل أَنَّهَا صعبة المرتقى عديمة وُجُوه الارتقا فاستخرنا الله تَعَالَى وتوكلنا عَلَيْهِ وفوضنا الْأَمر كُله إِلَيْهِ وَعلمنَا أَنه تَعَالَى إِذا أَرَادَ أمرا هيأ لَهُ الْأَسْبَاب وَفتح إِلَى الْوُصُول إِلَيْهِ المغالق والأبواب وكل شَيْء مِنْهُ وَإِلَيْهِ كَمَا قَالَ ابْن عَطاء الله فِي حكمه إِذا أَرَادَ أَن يظْهر فَضله عَلَيْك خلق وَنسب إِلَيْك وَمَا من نفس تبديه إِلَّا وَله فِيك قدر يمضيه فنهضنا من حضرتنا الْعلية فاس المحمية واستقبلنا هَذِه النواحي البربرية وَنصر الله وفتحه يواليان علينا فِي كل أَوَان ويتجددان مَا تجدّد الملوان وَنعم الله لدينا متسابقة وتدبيرات قدرته الجلية لنا محكمَة العقد متناسقة فجاوزنا بِلَاد آيت يوسي مرورا وعبرنا بِلَاد بني مكيلد عبورا ووجدناهم جَمِيعًا منقادين للطاعة أتم انقياد ملقين لجانبنا العالي بِاللَّه الرسن والمقاد واقفين مَعَ النَّهْي وَالْأَمر لم يتَخَلَّف عَنْهُم فِي ذَلِك زيدهم وَلَا عَمْرو واستقبلنا بجيوش الله المنصورة وَجُنُوده الموفورة قَبيلَة آيت أزدك الَّذين هم بَيت القصيد وَعتبَة القصيد فسيقت إِلَيْهِم من الله الْهِدَايَة وطويت عَنْهُم اعلام الضَّلَالَة والغواية وتلقونا بأوائل بِلَادهمْ خَائِفين وجلين وَمن

الصفحة 202