كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
ليستعين بِهِ على الْقيام بشعائر الْإِسْلَام وَذَلِكَ فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة قَالَ وَأمر بإثر ذَلِك بِأَن ينصب بِأَعْلَى الصومعة صاري من خشب وينشر فِيهِ علم فِي الْأَوْقَات الَّتِي يصلى فِيهَا وفنار فِيهِ سراج مزهر فِي أَوْقَات صَلَاة اللَّيْل ليستدل بذلك من بعد وَمن لم يسمع النداء وَفِي ذَلِك اعتناء بِأُمُور الْأَوْقَاف وَمَا يتَعَلَّق بهَا من وجوب الصَّلَوَات وَيَتَرَتَّب عَلَيْهَا من وُجُوه الْحُقُوق فِي الْعَادَات والعبادات وَمِمَّا قيل فِي ذَلِك
(نور بِهِ علم الْإِيمَان مُرْتَفع ... للمهتدين بِهِ للحق إرشاد)
(يأْتونَ من كل صوب نَحوه فَلهم ... لَدَيْهِ للرشد إصدار وإيراد)
وَقد لخص ابْن الْخَطِيب رَحمَه الله فِي رقم الْحلَل سيرة السُّلْطَان أبي عنان فَقَالَ
(وخلص الْأَمر لكف فَارس ... باني الزوايا الكثر والمدارس)
(الْأسد المفترس الْمَصْنُوع لَهُ ... من نَالَ من كل المساعي أمله)
(وَاحِد آحَاد الْمُلُوك العظما ... ومطلع النَّصْر إِذا مَا أقدما)
(ومخجل الْغَيْث إِذا الْغَيْث هما ... الْملك وَملك العلما)
(أوجب حق الشّعْر وَالْكِتَابَة ... فَأَمْلَتْ أعلامها جنابه)
(واستجلب الأماثل الكبارا ... النبهاء الْعلية الأخيارا)
(يجبرهم على حُضُور الدولة ... فهم بدور وشموس حوله)
(وَكَانَ جبارا على خُدَّامه ... ينالهم فِي القسر فِي أَحْكَامه)
(مذْهبه أَلا يقيل عثره ... حَتَّى لأرباب التقى والثرة)
(فطْرَة السَّيْف تناغي الدرة ... إِذْ غلبت على المزاج الْمرة)
(وَمَات فِيمَا قيل شَرّ ميتَة ... بغيلة لنَفسِهِ مفيته)
(لم يغن عَنهُ الْبَأْس والبسالة ... وأصبحت مهجته مسالة)
(وألقيت أزمة التَّدْبِير ... من بعده فِي رَاحَة الْوَزير)
وَمن أَعْيَان كِتَابه أَبُو الْقَاسِم بن رضوَان وَأَبُو الْقَاسِم الْبُرْجِي
وَمن أَعْيَان قُضَاته أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْمقري وَهُوَ
من الْأَلَم وَالْمَرَض وتحامل حَتَّى انْتهى إِلَى وَادي العبيد من أَرض تادلا فأدركه أَجله هُنَالك فِي السَّاعَة الْحَادِيَة عشرَة من لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث ذِي الْحجَّة الْحَرَام متم عَام أحد عشر وثلاثمائة وَألف وَحمل فِي تَابُوت إِلَى رِبَاط الْفَتْح وَدفن بِإِزَاءِ جده الْأَعْلَى سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رَحْمَة الله على جَمِيعهم آمين
وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته إِحْدَى وَعشْرين سنة وَخَمْسَة أشهر وَكَانَ رَحمَه الله من خِيَار الْمُلُوك العلوية وأفاضلهم بِمَا نشر من الْعدْل وَأصْلح من الرعايا وَأبقى من الْآثَار بالمغرب وثغوره فَالله تَعَالَى يجْبر كسر الْمُسلمين فِيهِ ويعوضهم أجرا عَن مصابه آمين
وَبَايع أهل العقد والحل نجله الأرضى الأبر المرتضى مَوْلَانَا عبد الْعَزِيز ابْن مَوْلَانَا الْحسن نَصره الله نصرا عَزِيزًا وَفتح لَهُ فتحا مُبينًا آمين وَهُوَ الْآن على كرْسِي ملكه بفاس المحروسة كَمَا يَنْبَغِي وعَلى مَا يَنْبَغِي وَقد تسرب إِلَيْهِ جمَاعَة من نواب الْأَجْنَاس كعادتهم مَعَ وَالِده من قبله فقدموا عَلَيْهِ حَضْرَة فاس مظهرين أَنهم إِنَّمَا قدمُوا للتهنئة ومرادهم خلاف ذَلِك {ويمكرون ويمكر الله وَالله خير الماكرين} الْأَنْفَال 30 وَمَا ظَنك بِمن يزْعم أَنه قدم للتهنئة وَهُوَ مُقيم بالحضرة هَذِه مُدَّة من أَرْبَعَة أشهر يتجسس الْأَخْبَار ويتطلع العورات ويترصد الغفلات ويحصي الأنفاس لَعَلَّه تظهر لَهُ خلة أَو تمكنه فرْصَة نسْأَل الله تَعَالَى أَن يرد كَيده فِي نَحره ويعديه بعاره وعره آمين ولعمري مَا الْحَامِل على هَذَا وَنَحْوه إِلَّا قلَّة الْحيَاء من الله وَمن النَّاس وَإِلَّا فَمَا معنى الْإِقَامَة فِي سَبِيل التهنئة أَرْبَعَة أشهر ثمَّ انْظُر مايزاد مِنْهَا بعد ذَلِك وَكَانَ مِمَّا يُؤثر من كَلَام النُّبُوَّة الأولى إِذا لم تستح فَاصْنَعْ مَا شِئْت وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل
وَاعْلَم أَن أَحْوَال هَذَا الجيل الَّذِي نَحن فِيهِ قد باينت أَحْوَال الجيل الَّذِي قبله غَايَة التباين وانعكست عوائد النَّاس فِيهِ غَايَة الانعكاس وانقلبت أطوار أهل التِّجَارَة وَغَيرهَا من الْحَرْف فِي جَمِيع متصرفاتهم لَا فِي سككهم وَلَا فِي
الصفحة 207