كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الدولة المرينية
الْخَبَر عَن دولة بني مرين مُلُوك فاس وَالْمغْرب وَذكر أوليتهم وأصلهم
اعْلَم أَن الْعَلامَة الرئيس أَبَا زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون رَحمَه الله قسم جبل زناتة إِلَى طبقتين الطَّبَقَة الأولى هِيَ الَّتِي كَانَ مِنْهَا مغراوة مُلُوك فاس وَبَنُو يفرن مُلُوك سلا وَقد تقدم الْكَلَام على دولتهم مُسْتَوفى والطبقة الثَّانِيَة هِيَ الَّتِي كَانَ مِنْهُم بَنو عبد الواد مُلُوك تلمسان وَالْمغْرب الْأَوْسَط وَبَنُو مرين مُلُوك فاس وَالْمغْرب الْأَقْصَى وَهَؤُلَاء هم الَّذين تعلق الْغَرَض الْآن بذكرهم
فَاعْلَم أَن جبل زناتة فِي الْمغرب كَمَا قَالَ الرئيس الْمَذْكُور جبل قديم مَعْرُوف الْعين والأثر وهم لهَذَا الْعَهْد آخذون من شعار الْعَرَب فِي سُكْنى الْخيام واتخاذ الْإِبِل وركوب الْخَيل والتقلب فِي الأَرْض وإيلاف الرحلتين وتخطف النَّاس من الْعمرَان والإباية من الانقياد إِلَى النصفة وشعارهم من بَين البربر اللُّغَة الَّتِي يتراطنون بهَا وَهِي مشتهرة بنوعها عَن سَائِر رطانة البربر ومواطنهم فِي سَائِر مَوَاطِن البربر بإفريقية وَالْمغْرب
فَمنهمْ بِبِلَاد النخيل مَا بَين غدامس والسوس الْأَقْصَى حَتَّى أَن عَامَّة تِلْكَ الْقرى الجريدية بالصحراء مِنْهُم قوم بالتلول بجبال طرابلس وضواحي إفريقية وبجبل أوراس بقايا مِنْهُم سكنوا مَعَ الْعَرَب الهلاليين لهَذَا الْعَهْد وأذعنوا لحكمهم وَالْأَكْثَر مِنْهُم بالمغرب الْأَوْسَط حَتَّى أَنه ينْسب إِلَيْهِم وَيعرف بهم فَيُقَال وَطن زناته وَمِنْهُم بالمغرب الْأَقْصَى أُمَم أخر وَكَانَ بَنو مرين مِنْهُم قبل استيلائهم على ملك الْمغرب أَحيَاء ظواعن بمجالات الْفقر من فيجج إِلَى
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الدولة العلوية
الْقسم الثَّالِث
الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام وأوليته ونشأته
كَانَ الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام رَحمَه الله مُنْذُ نَشأ وَهُوَ متمسك بالتقوى والعفاف متصف بالصيانة وَجَمِيل الْأَوْصَاف من الانقباض عَن الْخلق وملازمة الْعِبَادَة وَالصَّوْم وَقيام اللَّيْل وَترك مَا لَا يَعْنِي وَالْجد فِي الْأُمُور كلهَا حَتَّى عرفت لَهُ هَذِه الشنشنة وتطابقت على حبه ومدحه الْقُلُوب والألسنة وَلما نَشأ هَذِه النشأة الطّيبَة أقبل عَلَيْهِ عَمه السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رَحمَه الله وضمه إِلَيْهِ واعتنى بِشَأْنِهِ وَرفع مَنْزِلَته حَتَّى علا أَوْلَاده وَلما بعث أَوْلَاده إِلَى الْحَرَمَيْنِ الشريفين بِقصد أَدَاء فَرِيضَة الْحَج بَعثه فِي جُمْلَتهمْ فَظهر لَهُ فِي تِلْكَ السفرة من الْوَرع وَالدّين والتمسك بِأَسْبَاب الْيَقِين مَا رفع قدره وأشاع بالصلاح ذكره وَكَانَ السُّلْطَان رَحمَه الله قد أعطَاهُ بضَاعَة ينفقها فِي سفرته تِلْكَ ويستعين بهَا على حجه فَلَمَّا آب من سَفَره أَتَى بالبضاعة إِلَى عَمه وَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي هَذِه البضاعة الَّتِي أَعْطَيْتنِي إِنَّمَا أَخَذتهَا لأنفق مِنْهَا إِذا نفذ مَا عِنْدِي وَكَانَت معي بضَاعَة جمعتها بِقصد إنفاقها فِي هَذِه الوجهة وَلم أرد أَن أخلطها بغَيْرهَا وَقد حصلت الْكِفَايَة بهَا وَالْحَمْد لله فَعجب عَمه من شَأْنه وازداد محبَّة وغبطة فِيهِ ورد لَهُ البضاعة وطيبها لَهُ ودعا لَهُ بِخَير وَكَانَ فِي أول أمره مُقيما بتافيلالت ثمَّ استقدمه السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان فِي آخر عمره وولاه بثغر الصويرة وأعمالها
الصفحة 3
240