كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
يَعْقُوب لِابْنِهِ أبي مَالك بِولَايَة الْعَهْد آسفهم ذَلِك لأَنهم كَانُوا يرَوْنَ أَنهم أَحَق بِالْأَمر حَسْبَمَا سلف فَارْتَدُّوا على أَعْقَابهم وقلبوا لعمهم ظهر الْمِجَن وعادت هيف إِلَى أديانها وأسروا من ليلتهم من سلا وَلم يصبحوا إِلَّا بجبل علودان من بِلَاد غمارة عش خلافهم ومدرج فتنتهم وَكَانَ ذَلِك فِي عيد الْفطر من سنة تسع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وانضم إِلَيْهِم بَنو أبي عياد بن عبد الْحق وشايعوهم على رَأْيهمْ فَخرج السُّلْطَان يَعْقُوب فِي أَثَرهم وَقدم بَين يَدَيْهِ ابْنه لاأمير يُوسُف بن يَعْقُوب فِي خَمْسَة آلَاف فأحاط بهم وَأخذ بمخنقهم وَلحق بِهِ أَخُوهُ أَبُو مَالك فِي عسكره وَمَعَهُ مَسْعُود بن كانون شيخ سُفْيَان ثمَّ لحق بهم السُّلْطَان يَعْقُوب فِي عساكره فحاصروهم ثَلَاثَة وَلما رَأَوْا أَن قد أحيط بهم سَأَلُوا الْأمان فبذله لَهُم وأنزلهم وَمسح صُدُورهمْ واسترضاهم واستل سخائمهم وَوصل بهم إِلَى حَضرته فسألوا مِنْهُ الْأذن فِي اللحاق بتلمسان حَيَاء مِمَّا ارتكبوه من الْخلاف فَأذن لَهُم فأجازوا الْبَحْر إِلَى الأندلس وَخَالفهُم عَامر بن إِدْرِيس لما آنس من ميل عَمه إِلَيْهِ فَبَقيَ بتلمسان حَتَّى توثق لنَفسِهِ بالعهد وَعَاد إِلَى قومه بعد منازلة السُّلْطَان يَعْقُوب لتلمسان حَسْبَمَا نذكرهُ عَن قريب
قَالَ ابْن خلدون واحتل هَؤُلَاءِ الْقَرَابَة من بني عبد الْحق بِأَرْض الأندلس على حِين أقفر من الحامية جوها واستأسد الْعَدو على ثغورها وتحلبت شفاهه لالتهامها فتبوءوها أسودا ضارية وسيوفا مَاضِيا معودين لِقَاء الْأَبْطَال وقراع الحتوف والنزال مستغلظين بخشونة البداوة وصرامة الْعِزّ وبساله التوحش فعظمت نكايتهم فِي الْعَدو واعترضوا فِي صَدره سجى دون الوطن الَّذِي كَانَ طعمة لَهُ فِي ظَنّه وارتدوه على عقبه ونشطوا من همم الْمُسلمين الْمُسْتَضْعَفِينَ وَرَاء الْبَحْر وبسطوا من آمالهم لمدافعة طاغيتهم وزاحموا أَمِير الأندلس قي رياستها بمنكب قوي فتجافى لَهُم عَن خطة الْحَرْب ورياسة الْغُزَاة من أهل العدوة من أعياصهم وَغَيرهم من أُمَم البربر وثافنوه فِي مُسْتَقر عزه وساهموه فِي الجباية بِفَرْض الْعَطاء والديوان فبذله لَهُم واستعدوا على الْعَدو وَحسن أَثَرهم فِيهِ حَسْبَمَا تلمع بِالْبَعْضِ من ذَلِك إِن شَاءَ الله
السُّلْطَان الوزعة بقتْله بمرأى مِنْهُم فَقَتَلُوهُ فِيمَا قيل بأيدي الفؤوس ثمَّ بعث السُّلْطَان من احتاط على أَمْوَال عبد الْحق والفنانشة أجمع وَأمر بِبيع أصولهم بعد إِعْمَال الموجبات بِأَن الفنانشة مستغرقوا الذِّمَّة وَأَن جَمِيع مَا بِأَيْدِيهِم اكتسبوه من الغصوبات وَغَيرهَا من وُجُوه الظُّلم وَضرب الأتاوات على الضُّعَفَاء وَالْمَسَاكِين حَتَّى عِنْد نكاحهم فبيعت أصُول عبد الْحق وعشيرته لبني حسن وَكَانَت تنيف على مائَة أصل من بَين ربع وعقار وَكَانَ ذَلِك سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف ثمَّ غربهم السُّلْطَان إِلَى العرائش فسجنوا بهَا مُدَّة وَغرب بَعضهم إِلَى الصويرة ثمَّ عَفا عَنْهُم وقربهم وولاهم رياسة الرماية بالمهراس والمدفع الْمَعْرُوفَة برياسة الطبجية وفرقهم على الثغور فَكَانَ بَعضهم بالعرائش وَبَعْضهمْ بطنجة وَبَعْضهمْ برباط الْفَتْح وَبَعْضهمْ بالصويرة وَأَعْطَاهُمْ الدّور الْمُعْتَبرَة والرباع المغلة ورتب لَهُم الجرايات الْعَظِيمَة حَتَّى بلغُوا من الثروة والعز والجاه مَا لم يبلغهُ أحد فِي دولته رَحمَه الله كَذَا فِي الْبُسْتَان
وَمن القواد الَّذين كَانُوا فِي حكم الاستبداد أَيَّام السُّلْطَان الْمولى عبد الله ثمَّ نكبهم ابْنه السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بعد حِين الْقَائِد أَبُو الْحسن الْحَاج عَليّ بن العروسي الدكالي البوزراري كَانَ قَائِد الْمولى المستضيء بعد أَيَّام ولَايَته وَلما أفْضى الْأَمر إِلَى السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد قبض عَلَيْهِ وأودعه المطبق عدَّة أَعْوَام ثمَّ سرحه وولاه مَدِينَة شفشاون وتوارث الرياسة بنوه من بعده وَلَهُم آثَار بثغر الجديدة مِنْهَا مَسْجِدهَا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ اسْم بانيه إِلَى الْآن وَمن القواد المستبدين قَائِد تامسنا الْمَدْعُو ولد المجاطية وقائد تادلا الرضي الورديغي فعزلهم السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد وَولى على تامسنا وتادلا الْقَائِد مُحَمَّد بن حدو الدكالي الْمُتَقَدّم الذّكر وَمِنْهُم أَبُو عريف قَائِد بني حسن فَعَزله السُّلْطَان وَولى مَكَانَهُ أَبَا عبد الله مُحَمَّد القسطالي وَمِنْهُم الباشا حبيب الْمَالِكِي قَائِد الغرب كَانَ رَأس الْأُمَرَاء أَيَّام أَبِيه فَقبض عَلَيْهِ وأودعه
النَّاس وكل مَا تحتاجون إِلَيْهِ مِمَّا لَا بُد مِنْهُ أخبرونا بِهِ يصلكم وَلَا تكتموا عَنَّا شَاذَّة وَلَا فاذة وَاعْلَم أَن مَوْلَانَا انتخبك من وسط أَبنَاء جنسك وقربك مِنْهُ وَلَا زلت لَدَيْهِ فِي الترقي فَالله الله فَكُن عِنْد الظَّن بك بَارك الله فِيك آمين وَقد أكْرم سيدنَا كل وَاحِد بِمَا يُنَاسِبه من الْكسْوَة وصنع لَهُم فِي كل بلد دَخَلُوهُ مهرجانا وأدخلهم سيدنَا لوسط دَاره وَجَمِيع جناته وأماكن المملكة الَّتِي لَا يدخلهَا إِلَّا الْخَاصَّة غَايَته أَنهم نالوا من الْعِنَايَة فَوق الظَّن ووقفنا مَعَهم فَوق مَا تحب وَفِيهِمْ الْكِفَايَة وَلم يبْق إِلَّا مَا عنْدك فَكُن عِنْد الظَّن بك فَإِن سيدنَا نَصره الله جرب غَيْرك وَطَرحه وَهَذَا معيارك نسْأَل الله أَن يكون معيار التبر الْخَالِص وَمَا وَعدك بِهِ سيدنَا سيرد عَلَيْك حِين تَسْتَقِر بِالْبَلَدِ وَيحسن تصرفك على عين الْحَاضِر والبادي وَفِي وَصِيَّة سيدنَا فِي كِتَابه الشريف مقنع وعَلى الْمحبَّة وَالسَّلَام فِي ثَالِث عشر ربيع الثَّانِي عَام سِتَّة وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَألف مُحَمَّد بن إِدْرِيس لطف الله بِهِ اه نَص الْكتاب بِحُرُوفِهِ
وَلما وصل الْمولى عَليّ إِلَى تلمسان وَجه السُّلْطَان فِي أَثَره خَمْسمِائَة فَارس وَمِائَة رام وَجَمَاعَة وافرة من حذاق الطبجية من أهل سلا ورباط الْفَتْح فيهم ولد عَامل سلا مُحَمَّد ابْن الْحَاج مُحَمَّد أبي جميعة وَكَانَ من النجباء ثمَّ لما دخل الْمولى عَليّ تلمسان وَاسْتقر بهَا فَرح بِهِ الْحَضَر من أهل تلمسان واغتبطوا بِهِ وقدمت عَلَيْهِ الْوُفُود من كل نَاحيَة وَأخذ عَلَيْهِم الْبيعَة للسُّلْطَان هُوَ والقائد إِدْرِيس وانحرف عَنهُ الكرغلية من التّرْك الَّذين كَانُوا إدالة بقصبة تلمسان من لدن قديم وحاصرهم الْمولى عَليّ وَقَاتلهمْ مُدَّة إِلَى أَن ظفر بهم وَاسْتولى على مَا فِي أَيْديهم وانحرف عَنهُ أَيْضا قبيلتا الدَّوَائِر والزمالة من عرب تِلْكَ النَّاحِيَة وَيُقَال إِن أصلهم من جند كَانَ للْمولى إِسْمَاعِيل رَحمَه الله بَعثه إدالة بِتِلْكَ النَّاحِيَة واستمروا هُنَالك وتناسلوا إِلَى هَذَا التَّارِيخ فأظفر الله الْمولى عليا بهم وانتهب الْجَيْش مَتَاعهمْ ومتاع الكرغلية من قبلهم وَنَشَأ عَن ذَلِك من الْفساد مَا نذكرهُ بعد هَذَا إِن شَاءَ الله
الصفحة 30