كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
سافلها وألصقوا بالرغام جدرانها وتركوها قاعا صفصفا وَكَانَت هَذِه الْوَقْعَة منتصف رَجَب من سنة سبعين وسِتمِائَة
ثمَّ تقدم إِلَى تلمسان فَنزل عَلَيْهَا وحاصرها أَيَّامًا وَأطلق الْأَيْدِي فِي ساحتها بالنهب والعيث ثمَّ شن الغارات على البسائط فاكتسحها سَببا ونسفها نسفا وَهلك فِي طَرِيقه إِلَى تلمسان وزيره عِيسَى بن ماساي وَكَانَ من عَلَيْهِ وزرائه وحماة ميدانه وَله فِي ذَلِك أَخْبَار مَذْكُورَة وَكَانَ مهلكه فِي شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَقدم عَلَيْهِ وَهُوَ محاصر لتلمسان الْأَمِير أَبُو زيان مُحَمَّد بن عبد الْقوي بن الْعَبَّاس بن عَطِيَّة كَبِير بني توجين من زناتة فِي جَيش كثيف من قومه مباهيا ببنوده وطبوله وَآلَة حربه وَكَانَ قدومه هَذَا بِقصد مُظَاهرَة السُّلْطَان يَعْقُوب على يغمراسن وتلمسان لعداوة كَانَت بَينهمَا فَأكْرم السُّلْطَان يَعْقُوب وفادته واستركب النَّاس للقائه وَاتخذ رُتْبَة السِّلَاح لمباهاته وَاسْتمرّ الْحصار على تلمسان وعظمت نكاية بني توجين فِيهَا بتخريب الرباع وانتساف الجنات وَقطع الثِّمَار وإفساد الزَّرْع وتحريق الْقرى والضياع لما كَانَ يغمراسن يعاملهم فِي بِلَادهمْ بِمثل ذَلِك أَو أَكثر وَلما امْتنعت تلمسان على السُّلْطَان يَعْقُوب وأيس من فتحهَا لحصانتها واشتداد شَوْكَة حاميتها عزم على الإفراج عَنْهَا وَأَشَارَ على الْأَمِير مُحَمَّد بن عبد الْقوي بالقفول إِلَى مأمنه قبل أَن ينْهض هُوَ عَن تلمسان وَوَصله وَقَومه وملأ حقائبهم من التحف وجنب لَهُم مائَة من الْخَيل المقربات الْجِيَاد بمراكبها وأراح عَلَيْهِم ألف نَاقَة حَلُوب وعمهم بِالْخلْعِ الفاخرة والصلات الوافرة واستكثر لَهُم من السِّلَاح والفازات والفساطيط وَحَملهمْ على الظّهْر وَارْتَحَلُوا إِلَى منجاتهم ومقرهم من جبل وانشريس وتلوم السُّلْطَان يَعْقُوب عَلَيْهِم أَيَّامًا ريثما وصلوا حذرا عَلَيْهِم من يغمراسن أَن ينتهز الفرصة فِي اتباعهم ثمَّ أقلع السُّلْطَان عَن تلمسان وثنى عنانه إِلَى الْمغرب فوصل إِلَى رِبَاط تازا فِي أول يَوْم من ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة فعيد بهَا عيد النَّحْر ثمَّ ارتحل إِلَى فاس فَدَخلَهَا فاتح سنة إِحْدَى وَسبعين وسِتمِائَة فَأَقَامَ بهَا إِلَى الْيَوْم الْحَادِي عشر من صفر فَتوفي وَلَده وَولي عَهده الْأَمِير أَبُو مَالك عبد الْوَاحِد بن يَعْقُوب فأسف لفقده ثمَّ
وَفِي هَذِه السّنة انْعَقَدت الشُّرُوط بَين السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله وَبَين جنس الدينمرك وَهِي عشرُون شرطا ترجع إِلَى تَمام الصُّلْح والأمن من الْجَانِبَيْنِ أَيْضا وَالْأول مِنْهَا مضمنة خُرُوج أَمر المراسي المغربية من يَد تجار الدينمرك فَلَا يتصرفون فِيهَا بِشَيْء لكَون الكمبانية الَّتِي كَانَت تدفع من المراسي قد تَفَرَّقت بعد الْتِزَام قنصلهم بأَدَاء اثْنَي عشر ألف ريال وَخَمْسمِائة ريال الَّتِي بقيت بِذِمَّة تجارهم من ذَلِك وَلَا تعود المراسي لأيديهم بِحَال وَالْآخر مِنْهَا مضمنة أَن يدْفع طاغية الدينمرك للسُّلْطَان كل سنة خَمْسَة وَعشْرين مدفعا من مدافع الْمَعْدن وزر كورتها من ثَمَانِيَة عشر رطلا إِلَى أَرْبَعَة وَعشْرين وَيدْفَع مَعهَا ثَلَاثِينَ قمنة وَمن اللَّوْح الروبلي ألفي لوحة مختلطة وَمن الريال سِتَّة آلَاف وَخَمْسمِائة وَالْكل وَاصل إِلَى الْمحل الَّذِي يُريدهُ السُّلْطَان وَإِن أَرَادَ الطاغية أَن يدْفع بَدَلا عَن جَمِيع ذَلِك خَمْسَة وَعشْرين ألف ريال فَلهُ ذَلِك وَمثل هَذَا انْعَقَد مَعَ جنس السويد أَيْضا إِلَّا أَن قدر الْمَدْفُوع من جَانِبه عشرُون ألف ريال فَقَط فِي كل سنة وَمَعَ أَجنَاس أخر وظائف أخر واستمرت هَذِه السّنة إِلَى أَن انْقَطَعت سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف فِي دولة السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام رَحمَه الله حَسْبَمَا نذْكر ذَلِك فِي مَحَله
وَفِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف كَانَت فتْنَة الدعي كلخ بمراكش وَهُوَ رجل صعلوك اسْمه عمر كَانَ ينتسب إِلَى الشَّيْخ أبي الْعَزْم سَيِّدي رحال وَكَانَ يظْهر للعامة الكرامات الكاذبة وَتَبعهُ السوَاد الْأَعْظَم من جهلة الْبَادِيَة لِأَنَّهُ وعدهم أَن يفتح لَهُم بَيت المَال ويهيلون مِنْهُ الذَّهَب وَالْفِضَّة هيلا من غير ممانع فأهرع النَّاس إِلَيْهِ وَتقدم إِلَى مراكش فَدَخلَهَا فِي عَالم من الأوباش شعارهم هَاتَانِ الكلمتان كلخ شلخ رافعين بهَا أَصْوَاتهم وهم كالسيل المنحدر من عل فَوَقع الْهَرج بِالْمَدِينَةِ وغلقت الْأَسْوَاق واتصل الْخَبَر بالسلطان وَهُوَ بداره فَأمر الوزعة وَالْعَبِيد
سُلَيْمَان رَحمَه الله انْقَطَعت عَنْهُم مَعَ السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن وزالت من أَيْديهم فَكَانُوا يمرضون فِي الطَّاعَة بعض الأحيان وَالسُّلْطَان يطويهم على غرهم ويلبسهم على عرهم إِلَى أَن كَانَ الْبَعْث إِلَى تلمسان فوجههم إِلَيْهِ فِيمَن وَجه من أَعْيَان الْجَيْش ورؤسائه فَكَانَت قوارصهم لَا تَنْقَطِع عَن الدولة وشغبهم لَا يفتر من التطاول والصولة ثمَّ كَانَ نهب الزمالة والدوائر فأبدؤوا فِي ذَلِك وأعادوا وشايعهم على فعلهم الْقَائِد أَحْمد بن المحجوب البُخَارِيّ وأظهروا عدم المبالاة بالسلطان وخليفته وعامله وَكَانَت بَينهم وَبَين الْقَائِد إِدْرِيس الجراري مُنَافَسَة باطنية فخاف من الِاعْتِرَاض عَلَيْهِم فِيمَا ارتكبوه من النهب أَن يسدوا بِرَأْسِهِ هَذَا الْخرق فأسعفهم وانتهب مَعَهم وَكَانَ مَا قدمْنَاهُ من استرجاع السُّلْطَان لذَلِك الْجَيْش وَبعث من قبض على الْقَائِد إِدْرِيس بوجدة وَجِيء بِهِ إِلَى تازا فسجن بهَا وَلما وصل جَيش تلمسان إِلَى عنق الْجمل قرب فاس خرج إِلَيْهِم الْقَائِد الطّيب الوديني البُخَارِيّ وَكَانَ واليا على فاس فَقيل أَرَادَ أَن يقبض عَلَيْهِم بِإِذن من السُّلْطَان وَقيل أَرَادَ أَن يحوز مِنْهُم أرحلهم وحقائبهم الَّتِي ملؤوها من النهب وَكَانَ الودايا وَالْعَبِيد لما فعلوا فعلتهم تحالفوا وتعاهدوا على أَن يَكُونُوا يدا وَاحِدًا على من أَرَادَهُم بِسوء كَائِنا من كَانَ فَلَمَّا خرج إِلَيْهِم الطّيب الوديني تجهموه وهموا بِهِ فَرجع أدراجه وأنهى ذَلِك إِلَى السُّلْطَان فأغضى عَنْهُم ثمَّ بعد أَيَّام عزم السُّلْطَان على الْقَبْض على الْحَاج مُحَمَّد بن الطَّاهِر الْعقيلِيّ فأحس هُوَ بذلك فَذهب إِلَى الطَّاهِر بن مَسْعُود وتطارح عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ إِنِّي مَقْبُوض لَا محَالة فَإِن ولاك السُّلْطَان من أَمْرِي شَيْئا فَأحْسن وَلَا تؤاخذني بِمَا كَانَ مني إِلَيْك وَقد كَانَ الطَّاهِر بن مَسْعُود قبل هَذِه الْمدَّة عَاملا بتارودانت فَعَزله السُّلْطَان بِابْن الطَّاهِر فأساء إِلَيْهِ فَلهَذَا قَالَ لَهُ مَا قَالَ فَقَالَ الطَّاهِر بن مَسْعُود وَأَنت مَقْبُوض قَالَ نعم قَالَ عَليّ وَعلي لَا جرى عَلَيْك أَمر تكرههُ مَا دمت حَيا ثمَّ إِن السُّلْطَان أحضر الْحَاج مُحَمَّد بن الطَّاهِر وَأحمد بن المحجوب فقرعهما وَأمر بِالْقَبْضِ عَلَيْهِمَا فَقبض أعوان الودايا على أخيهم وَقبض أعوان العبيد على أخيهم وَخَرجُوا بهما إِلَى السجْن مَعَ الْعشي وَكَانَ الطَّاهِر بن مَسْعُود قد
الصفحة 33