كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)

ضاحيتها وعاثوا فِي نَوَاحِيهَا وضيقوا على أهل طنجة حَتَّى شارطهم ابْن الأميرعلى خراج مَعْلُوم على أَن يكفوا الأذية ويحموا الْحَوْزَة ويصلحوا السابلة فاتصلت يَده بيدهم وترددوا إِلَى الْبَلَد لاقْتِضَاء حاجاتهم ثمَّ مكروا وأضمروا الْغدر فَدَخَلُوا فِي بعض الْأَيَّام متأبطين السِّلَاح وفتكوا بِابْن الْأَمِير غيلَة فثارت بهم عَامَّة أهل طنجة واستلحموهم لحينهم فِي مصرع وَاحِد سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة واجتمعوا على وَلَده فَبَايعُوهُ وَبقيت فِي ملكته خَمْسَة أشهر ثمَّ استولى عَلَيْهَا أَبُو الْقَاسِم العزفي فَنَهَضَ إِلَيْهَا بعساكره من الرجل برا وبحرا وملكها وفر ابْن الْأَمِير فلحق بتونس وَنزل على الْمُسْتَنْصر الحفصي واستقرت طنجة فِي إيالة العزفي فضبطها وَقَامَ بأمرها وَولي عَلَيْهَا من قبله وأشرك الْمَلأ من أَشْرَافهَا فِي الشورى
وَلما استولى السُّلْطَان يَعْقُوب على حَضْرَة مراكش ومحا دولة آل عبد الْمُؤمن مِنْهَا وَفرغ من أَمر عدوه يغمراسن هم بِتِلْكَ النَّاحِيَة وَأحب أَن يضيفها إِلَى مَا بِيَدِهِ ليصفوا لَهُ أَمر الْمغرب الْأَقْصَى كُله فَنَهَضَ إِلَى طنجة ونازلها مفتتح اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة لِأَنَّهَا كَانَت فِي الْبَسِيط دون سبتة فَكَانَ أمرهَا أسهل فحاصرها نَحْو ثَلَاثَة أشهر فامتنعت عَلَيْهِ ويئس مِنْهَا وعزم على الإفراج عَنْهَا فَبَيْنَمَا هُوَ يُقَاتل فِي عشي الْيَوْم الَّذِي عزم على النهوض فِي غده إِذا بِجَمَاعَة من رماتها قَامُوا على برج وَرفعُوا لِوَاء أَبيض وَنَادَوْا بشعار بني مرين وَذَلِكَ لخلاف وَقع بَينهم دَاخل الْبَلَد فَتسَارع الْجند إِلَيْهِم فملكوهم البرج فتسوروا إِلَيْهِ الْحِيطَان وقاتلوا عَلَيْهِ سَائِر ليلتهم إِلَى الصَّباح ثمَّ تكاثرت جيوش بني مرين واقتحموا الْبَلَد عنْوَة ونادى مُنَادِي السُّلْطَان يَعْقُوب بالأمان فَلم يهْلك من أَهلهَا إِلَّا نفر يسير مِمَّن رفع يَده لِلْقِتَالِ وَشهر السِّلَاح سَاعَة الدُّخُول وَكَانَ ذَلِك فِي ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة وَلما فرغ السُّلْطَان يَعْقُوب من طنجة بعث وَلَده الْأَمِير يُوسُف إِلَى سبتة فحاصر بهَا العزفي أَيَّامًا ثمَّ لَاذَ بِالطَّاعَةِ على أَن يبْقى مُمْتَنعا بحصنه وَيُؤَدِّي للسُّلْطَان خراجا مَعْلُوما كل سنة فَقبل السُّلْطَان مِنْهُ ذَلِك وأفرجت عَنهُ عساكره وَعَاد إِلَى فاس وَالله غَالب على أمره
اعتناء السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله بعبيد السوس والقبلة وجلبهم إِلَى أجدال رِبَاط الْفَتْح

وَفِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَة وَألف بعث السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله ابْن عَمه الْمولى عَليّ بن الفضيل وكاتبه أَبَا عُثْمَان سعيد الشليح الْجُزُولِيّ إِلَى بِلَاد السوس لجمع عبيد المخزن الَّذين بهَا وَبعث وصيفه المحجوب ابْن قَائِد رَأسه لإقليم طاطا وآقاوتيشيت من بِلَاد الْقبْلَة لجمع العبيد الَّذين هُنَالك فجاؤوا بِأَلفَيْنِ من عبيد السوس بأولادهم وألفين من عبيد الْقبْلَة بأولادهم كَذَلِك فأنزلهم السُّلْطَان بِظَاهِر مراكش إِلَى أَن أَعْطَاهُم السِّلَاح والكسي وَولى عَلَيْهِم الْقَائِد المحجوب الْمَذْكُور
ثمَّ لما سَار إِلَى رِبَاط الْفَتْح أَمر بِقطع جنَّات أجدال الَّذِي بِظَاهِر الْبَلَد وَأنزل العبيد بِهِ وَبنى لَهُم الدّور وَالْمَسْجِد والمدرسة وَالْحمام والسوق وَزَاد عَلَيْهِم أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة من الودايا جلبها من الْقَبَائِل وَكتب الْجَمِيع فِي الدِّيوَان وجعلهم فِي مُقَابلَة عبيد مكناسة والودايا الَّذين بهَا وأفاض فيهم الْعَطاء الْكثير لسكناهم بثغر من ثغور الْإِسْلَام
فتح الجديدة

قد ذكر لويز مَارِيَة خبر هَذَا الْفَتْح وَنحن نلخص مَا ذكره من ذَلِك قَالَ لما ولي السُّلْطَان سيد مُحَمَّد بن عبد الله سلطنة الْمغرب كَانَ لَا يقر لَهُ قَرَار من أجل مُشَاركَة البرتغال لَهُ فِي قِطْعَة من أرضه وَكَانَ شهما ذَا أَنَفَة وإباية فَاسْتَشَارَ أهل الرَّأْي من دولته فِي غَزْو الجديدة وَفتحهَا فَقَالُوا لَهُ لَا يظنّ سيدنَا أَن أَخذهَا يكون بِأَن تحمل الْمُسلمُونَ عَلَيْهَا دفْعَة وَاحِدَة حَتَّى يقتحموها مثلا فَإِن ذَلِك لَا يجدي شَيْئا وَلَا يحصلون إِلَّا على الْقَتْل كَمَا وَقع فِي أَيَّام السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه السَّعْدِيّ وَإِنَّمَا يتَوَصَّل إِلَى فتحهَا بالحصار
شيعَة السُّلْطَان إِلَيْهِ من العبيد وَغَيرهم وَنزل جلهم بفاس الْقَدِيم وَبَقِي الودايا وحدهم بفاس الْجَدِيد ثمَّ استدعى السُّلْطَان عبيد مكناسة فقدموا عَلَيْهِ وَلما علم الودايا بعزم السُّلْطَان على الْخُرُوج من بَين أظهرهم ساءهم ذَلِك وَعَلمُوا أَنه إِن خرج من بَين أظهرهم لَا يتركهم حَتَّى يُوقع بهم فراودوه على الْمقَام وتنصلوا وأظهروا التَّوْبَة وَتقدم سفهاؤهم إِلَى العبيد فأنشبوا مَعَهم الْحَرْب وَهلك من الْفَرِيقَيْنِ عدد ثمَّ تدارك السُّلْطَان أَمرهم وتلطف وَطيب أنفسهم وَأجْمع على الْخُرُوج إِلَى مكناسة فَخرج بثقله وأثاثه وأمواله وسلك طَرِيق قبقب وَعقبَة المساجين كَأَنَّهُ يُرِيد بِلَاد الغرب وَخرج لتشييعه جمَاعَة وافرة من أَعْيَان الودايا ثمَّ أَنهم ندموا ونكسوا على رؤوسهم وَرُبمَا سمعُوا من العبيد بعض كَلَام فحميت أنوفهم وتحزبوا وأوقعوا بالعبيد فَانْهَزَمُوا عَن السُّلْطَان وانتهب الودايا خيرته وأثاثه وَقَامَ عقالهم دون الْعِيَال حَتَّى ردُّوهُ إِلَى الدَّار مَحْفُوظًا مصونا وَلم يَفْعَلُوا أحسن مِنْهَا وَأما المَال والأثاث فقد أَتَى عَلَيْهِ النهب وَكَانَ شَيْئا كثيرا وَتقدم السُّلْطَان رَحمَه الله لطيته وَتَبعهُ سَفِيه من سُفَهَاء الودايا كَانَ أَرَادَ الفتك فِيهِ فحماه الله مِنْهُ وَوصل السُّلْطَان رَحمَه الله إِلَى مكناسة فاستقر بهَا واتصل خبر هَذِه الْفِتْنَة بالقائد إِدْرِيس بن حمان الجراري وَهُوَ مسجون بتازا فاحتال على سراح نَفسه بِأَن افتعل كتابا على لِسَان السُّلْطَان وَبعث بِهِ إِلَى عَامل تازا فسرحه وَكَانَ السُّلْطَان رَحمَه الله قد بعث إِلَى الْقَائِد إِدْرِيس الْمَذْكُور وَهُوَ بتلمسان أَربع وَرَقَات مَخْتُومًا عَلَيْهَا بالخاتم السلطاني الْكَبِير وَأمره السُّلْطَان رَحمَه الله أَن يحْتَفظ بِتِلْكَ الورقات وَلَا يسْتَعْمل وَاحِدَة مِنْهُنَّ إِلَّا فِي أهم الْمُهِمَّات مِمَّا يتَوَقَّف عَلَيْهِ غَرَض السُّلْطَان والدولة وَلَا تمكن مشاورته فِيهِ لبعد الْمسَافَة بَين فاس وتلمسان فَعمد الْقَائِد إِدْرِيس إِلَى وَاحِدَة من تِلْكَ الورقات فَكتب فِيهَا بتسريحه فسرح وَجَاء يجد السّير إِلَى فاس وبنفس وُصُوله كتب إِلَى السُّلْطَان يُعلمهُ بِمَا صنع وَأَنه لَا زَالَ على مَا يعْهَد مَوْلَانَا من بذل النصح وَالسَّعْي فِي صَلَاح السُّلْطَان والجيش فَأَجَابَهُ السُّلْطَان رَحمَه الله بِمَا نَصه
وَبعد فقد وصلنا كتابك وعرفنا مَا فِيهِ وَالْحَمْد لله على سلامتك وَمَا

الصفحة 35