كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)

سجلماسة إِلَى ملوية وَرُبمَا يخطون فِي ظعنهم إِلَى بِلَاد الزاب وَيذكر نسابتهم أَن الرياسة كَانَت فيهم فِي تِلْكَ العصور لمُحَمد بن ورزيز بن فكوس بن كرماط بن مرين ومرين يتَّصل نسبه بزانا بن يحيى أبي الجيل
وَكَانَ لمُحَمد الْمَذْكُور سَبْعَة من الْوَلَد اثْنَان مِنْهُم شقيقان وهم حمامة وعسكر وَخَمْسَة أَبنَاء علات وَكَانَ يُقَال لَهُم بِلِسَان زناتة تيربعين وَمَعْنَاهُ الْجَمَاعَة
ويزعمون أَن مُحَمَّد بن ورزيز لما هلك قَامَ بأَمْره من قومه ابْنه حمامة بن مُحَمَّد وَكَانَ الْأَكْبَر من وَلَده ثمَّ من بعده شقيقه عَسْكَر بن مُحَمَّد ثمَّ من بعده ابْنه المخضب بن عَسْكَر وَهلك سنة أَرْبَعِينَ وَخَمْسمِائة فِي بعض الحروب الَّتِي كَانَت بَين عبد الْمُؤمن والمرابطين
ثمَّ قَامَ بِأَمْر بني مرين بعد المخضب ابْن عَمه أَبُو بكر بن حَمَاقَة بن مُحَمَّد إِلَى أَن هلك فَقَامَ بأمرهم ابْنه أَبُو خَالِد محيو بن أبي بكر وَلم يزل مُطَاعًا فيهم إِلَى أَن استنفرهم يَعْقُوب الْمَنْصُور إِلَى غَزْوَة الأرك بالأندلس فشهدوها وأبلوا فِيهَا الْبلَاء الْحسن وأصابت محيو بن أبي بكر يَوْمئِذٍ جراحات هلك مِنْهَا بصحراء الزاب سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ من رياسة عبد الْحق ابْنه من بعده وبقائها فِي عقبَة مَا نذكرهُ إِن شَاءَ الله
الْخَبَر عَن دُخُول بني مرين أَرض الْمغرب الْأَقْصَى واستيلائهم عَلَيْهِ وَالسَّبَب فِي ذَلِك

كَانَ السَّبَب فِي دُخُول بني مرين لهَذَا الْقطر المغربي أَنه لما كَانَت وقْعَة الْعقَاب بالأندلس سنة تسع وسِتمِائَة وَهزمَ النَّاصِر وَهلك الْجُمْهُور من حامية الْمغرب ورعاياه حَتَّى خلت الْبِلَاد من أَهلهَا ثمَّ حدث عقب ذَلِك الوباء الْعَظِيم الَّذِي تحيف النَّاس إِلَّا قَلِيلا وَهلك النَّاصِر سنة عشر بعْدهَا فَبَايع
فَقَامَ بذلك أحسن قيام ثمَّ استقدمه مِنْهَا فِي فتْنَة ابْني يزِيد كَمَا مر واستخلفه على حَاضِرَة الْمغرب وَأم أمصاره مَدِينَة فاس فقرت بولايته الْعُيُون وَطَابَتْ الأنفاس كل ذَلِك فعله بِهِ ترشيحا لِلْأَمْرِ وتقديما لَهُ فِيهِ على زيد وَعَمْرو
بيعَة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام رَحمَه الله

قد تقدم لنا أَن السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان لما حَضرته الْوَفَاة جدد الْعَهْد لِابْنِ أَخِيه الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام وَبعث بِهِ إِلَى فاس ثمَّ كَانَت وَفَاة السُّلْطَان عقب ذَلِك فوصل خبر وَفَاته إِلَى فاس فِي السَّادِس وَالْعِشْرين من ربيع الأول سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف فَحَضَرَ القَاضِي الشريف الْمولى أَحْمد بن عبد الْملك والعلامة الْمُفْتِي أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم والتاجر الْأَمِير الْحَاج الطَّالِب ابْن جلون وَسَائِر أَعْيَان فاس من الْعلمَاء والأشراف وَغَيرهم وَحضر أَعْيَان الودايا وقوادهم وَلما قرىء الْعَهْد ترحموا على السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان وَبَايَعُوا للسُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن وسلموا عَلَيْهِ بالخلافة وَتمّ أمره وسر النَّاس بذلك خَاصَّة وَعَامة ثمَّ ترادفت على حَضرته بيعَة أهل الدِّيوَان وَسَائِر الْجنُود وَحل من الْملك الْعَزِيز فِي فلك السُّعُود وكتبت البشائر بذلك إِلَى الْبلدَانِ فوفدت بيعات أهل الْأَمْصَار وهداياهم وَلم يتَوَقَّف عَن هَذِه الْبيعَة الشَّرْعِيَّة أحد مِنْهُم واستبشر أهل الْمغرب بولايته وَبَان لَهُم مصداق يمنه وسعادته بتوالي الأمطار وَرخّص الأسعار والعافية آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار وَلما تمت هَذِه الْبيعَة الْمُبَارَكَة وَحصل مَا ذكرنَا من الْأَمْن والعافية وَحسن الْحَال والرفاهية استوزر السُّلْطَان رَحمَه الله الْفَقِيه الْعَلامَة الأديب أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس الفاسي فَقَالَ
(مولَايَ بِشِرَاك بالتأييد بشراكا ... قد أكمل الله بالتوفيق سراكا)
(الْفَتْح والنصر قد وافاك جيشهما ... والسعد واليمن قد حَيا محياكا)
(الله ألبسك الإقبال تكرمة ... وبالتقى والنهى وَالْعلم حلاكا)
(فراسة الْملك المرحوم قد صدقت ... لما تفرس فِيك حِين ولاكا)

الصفحة 4