كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)

محبو بن أبي بكر بن حمامة بن مُحَمَّد المريني فَكثر عيثهم وضررهم بالمغرب وأعضل داؤهم وتضاعف على الرّعية بلاؤهم فَرفعت الشكايات بهم إِلَى الْخَلِيفَة بمراكش وَهُوَ يَوْمئِذٍ يُوسُف الْمُنْتَصر بن النَّاصِر بن الْمَنْصُور فَجهز لَهُم جَيْشًا كثيفا من عشْرين ألفا وَعقد عَلَيْهِ لأبي عَليّ بن وانودين وَكتب لَهُ إِلَى صَاحب فاس السَّيِّد أبي إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن يَأْمُرهُ بِالْخرُوجِ مَعَه لغزو بني مرين والإثخان فيهم وَعدم الْإِبْقَاء عَلَيْهِم مهما قدر على ذَلِك
واتصل الْخَبَر ببني مرين وهم فِي جِهَات الرِّيف وبلاد بطوية فتركوا أثقالهم وعيالهم بحصن تازوطا من أَرض الرِّيف وصمدوا إِلَى الْمُوَحِّدين فَالتقى الْجَمْعَانِ بوادي نكور فَكَانَ الظُّهُور لبني مرين على الْمُوَحِّدين فهزموهم وقتلوهم وامتلأت الْأَيْدِي من أسلابهم وأمتعتهم وَرجع الموحدون إِلَى فاس يخصفون عَلَيْهِم من ورق النَّبَات الْمَعْرُوف عِنْد أهل الْمغرب بالمشعلة لِكَثْرَة الخصب يَوْمئِذٍ واعتمار الفدن بالزرع وأصناف الباقلي فسميت تِلْكَ السّنة يَوْمئِذٍ بعام المشعلة وَهِي سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة ثمَّ زحف الْأَمِير عبد الْحق فِي ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة بجموع بني مرين إِلَى رِبَاط تازة حَتَّى وقف بِإِزَاءِ زيتونها فَخرج عاملها لحربه فِي جَيش كثيف من الْمُوَحِّدين وَالْعرب والحشد من قبائل تسول ومكناسة وَغَيرهم فقتلت بَنو مرين الْعَامِل الْمَذْكُور وهزموا جيوشه
وَجمع عبد الْحق الأسلاب وَالْخَيْل وَالسِّلَاح وَقسم ذَلِك كُله فِي قبائل بني مرين وَلم يمسك مِنْهَا لنَفسِهِ شَيْئا وَقَالَ لِبَنِيهِ إيَّاكُمْ أَن تَأْخُذُوا من هَذِه الْغَنَائِم شَيْئا فَإِنَّهُ يكفيكم مِنْهَا الثَّنَاء والظهور على أعدائكم
(الله يبقي نوره متوقدا ... يفنى الزَّمَان وَلَا فنَاء لخلده)
(ويخص مَوْلَانَا الْأَمِير بِنِعْمَة ... لَا تَنْقَضِي وعناية من عِنْده)
(ويديمه ظلا وريفا كلما ... حمى الورى هرعوا لجنة برده)
(وحسام فتح كلما نهضت بِهِ ... عزماته فالنصر شاحذ حَده)
(وَتَمام بدر كلما اقتعد السرى ... لم يسر إِلَّا فِي منَازِل سعده)
(وَعَلِيهِ تَسْلِيم تأرج نده ... لكنه فِي الْفضل عادم نده)
(ثمَّ الصَّلَاة على النَّبِي وَآله ... وَالْحَمْد فِي بَدْء الْكَلَام وَعوده)
اجْتِمَاع البربر على بيعَة السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام وَالسَّبَب فِي ذَلِك

قد تقدم لنا أَن البربر بعد وقْعَة ظيان اتَّفقُوا على مناوأة السُّلْطَان ومنابذته وَأَنَّهُمْ صَارُوا يدا وَاحِدَة عَلَيْهِ وعَلى كل من يتَكَلَّم بِالْعَرَبِيَّةِ بالمغرب فَلَمَّا توفّي السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان وبويع السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن زَاد البربر ذَلِك الْحلف توكيدا وَشدَّة وَأَعدُّوا لعصيانهم واعوجاجهم أكمل عدَّة لَا سِيمَا رئيسهم الْحَاج مُحَمَّد بن الْغَازِي الزموري فَإِنَّهُ لما فعل فعلته فِي وقْعَة ظيان من جرة الْهَزِيمَة على الْمولى سُلَيْمَان ثمَّ عززها بأختها من بيعَته للْمولى إِبْرَاهِيم بن يزِيد والإجلاب فِيهَا بالقريب والبعيد خَافَ أَن يَأْخُذهُ بذلك من يَأْتِي بعده من بني أَبِيه وعشيرته فجد فِي صرف وُجُوه البربر عَن السُّلْطَان واستعان فِي ذَلِك بِأبي بكر مهاوش فروض لَهُ رُؤَسَاء البربر حَتَّى اجْتمعت كلمتهم على أَن لَا يتْركُوا بِأَرْض الْمغرب ذكرا للسُّلْطَان وَحزبه وَرُبمَا شايعهم على ذَلِك بعض غواة الْعَرَب مثل الصفافعة والتوازيط من بني حسن وزعير وَجل عرب تادلا فَلَمَّا أَرَادَ الله سُبْحَانَهُ نقض مَا أبرموا ونثر مَا جمعُوا من ذَلِك ونظموا جعل لذَلِك سَببا وَهُوَ أَن الشَّيْخ أَبَا عبد الله الدرقاوي كَانَ مسجونا عِنْد الودايا كَمَا تقدم فِي أَخْبَار فتْنَة ابْني يزِيد وَاسْتمرّ فِي السجْن

الصفحة 6