كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
وَرجع إِلَى أَخِيه كَمَا تقدم وَلما ولي السُّلْطَان يُوسُف وقفل من مراكش إِلَى فاس فِي هَذِه الْمرة بعد أَن ترك ابْنه أَبَا عَامر عبد الله مَعَ مُحَمَّد بن عطوا عَامل مراكش ثار أَبُو عَامر الْمَذْكُور بهَا وخلع طَاعَة أَبِيه ودعا إِلَى نَفسه وشايعه ابْن عطوا على ذَلِك واتصل الْخَبَر بالسلطان يُوسُف وَهُوَ بفاس فأسرع السّير إِلَى مراكش وبرز إِلَيْهِ ابْنه أَبُو عَامر فَاقْتَتلُوا ثمَّ انهزم أَبُو عَامر فَعَاد إِلَى مراكش واكتسح بَيت المَال بهَا وفر إِلَى تلمسان وَمَعَهُ ابْن عطوا الْمَذْكُور فقدماها سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة فآواهم عُثْمَان بن يغمراسن ومهد لَهُم الْمَكَان فلبثوا عِنْده مَلِيًّا
ثمَّ عطف السُّلْطَان على ابْنه الرَّحِم فَرضِي عَنهُ وَأَعَادَهُ إِلَى مَكَانَهُ وطالب عُثْمَان بن يغمراسن أَن يسلم إِلَيْهِ ابْن عطوا الناجم فِي النِّفَاق مَعَ ابْنه فَأبى من إِضَاعَة جواره وإخفار ذمَّته وَأَغْلظ لَهُ الرَّسُول فِي القَوْل فسطا بِهِ عُثْمَان واعتقله فثارت من السُّلْطَان يُوسُف الحفائظ الكامنة وتحركت مِنْهُ إلاحن الْقَدِيمَة والنزغات المتوارثة فاعتزم على غَزْو تلمسان ونهض إِلَيْهَا من مراكش فِي صفر من سنة تسع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بعد أَن عقد عَلَيْهَا لِابْنِهِ الْأَمِير أبي عبد الرَّحْمَن يَعْقُوب بن يُوسُف ثمَّ نَهَضَ من فاس إِلَيْهَا آخر ربيع الآخر من سنته فِي عساكره وَجُنُوده وحشد الْقَبَائِل وكافة أهل الْمغرب وَسَار حَتَّى نَازل تلمسان فتحصن مِنْهُ عُثْمَان وَقَومه بأسوارها فحاصره السُّلْطَان يُوسُف وضيق عَلَيْهِ وَنصب عَلَيْهِ المجانيق وَكَانَ حصاره إِيَّاهَا فِي رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ سَار فِي نَوَاحِيهَا ينسف الْآثَار وَيخرب الْقرى ويحطم الزروع ثمَّ نزل بِذِرَاع الصابون من ناحيتها ثمَّ انْتقل مِنْهُ إِلَى تامت وحاصرها أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَقطع أشجارها وأباد خضراءها وَلما امْتنعت عَلَيْهِ أفرج عَنْهَا وانكفأ رَاجعا إِلَى الْمغرب وَقضى نسك الْفطر بِعَين الصَّفَا من بِلَاد بني يزناسن ونسك الْأَضْحَى وقربانه بتازا وتلبث بهَا أَيَّامًا ثمَّ نَهَضَ مِنْهَا إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد على مَا نذكرهُ
ويصطنعهم ويعدهم لأيام الكريهة وينادي كل وَاحِد باسمه وَقت اللِّقَاء والحضور عِنْده وَيُوجه كل بَطل مِنْهُم مَعَ قَبيلَة أَو كَتِيبَة من كتائب الْجند وَيعْمل بقواعد السياسة فِي الحروب وَكَانَ إِذا وَجه أحدا مِمَّن يعرف نجدته وكفايته ينشد قَول ابْن دُرَيْد
(وَالنَّاس ألف مِنْهُم كواحد ... وَوَاحِد كالألف إِن أَمر عَنَّا)
وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ رَحمَه الله من عُظَمَاء الْمُلُوك وخلد آثارا كَثِيرَة بالمغرب فَمن ذَلِك بمراكش تَجْدِيد ضريح الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس السبتي ومسجده ومدرسته وضريح الشَّيْخ التباع ومسجده وضريح الشَّيْخ الْجُزُولِيّ ومسجده وضريح الشَّيْخ الغزواني ومسجده وضريح الشَّيْخ ابْن صَالح ومسجده وضريح الْمولى عَليّ الشريف ومسجده الْأَعْظَم وضريح الشَّيْخ مَيْمُون الصحراوي وَمَسْجِد الْمُلُوك ببريمة ومدرستاه وتجديد جَامع الْمَنْصُور وَالْمَسْجِد الْأَعْظَم بِبَاب دكالة وَالْمَسْجِد الْأَعْظَم بِبَاب هيلانة وَالْمَسْجِد الْأَعْظَم بالرحبة ومساجد القصبة ومدارسها السِّت وَمَسْجِد زَاوِيَة الشرادي وَمَسْجِد رِبَاط شَاكر ومدينة الصويرة بمساجدها ومدارسها وصقائلها وأبراجها وكل مَا فِيهَا وَمَسْجِد آسفي ومدرسته وَمَسْجِد مَدِينَة تيط ومدينة آنِفا ومسجدها ومدرستها وحمامها وصقائلها وأبراجها ومدينة فضَالة ومسجدها ومدرستها والمصورية ومسجدها وجامع السّنة برباط الْفَتْح ومساجد أجدال السِّتَّة وأبراجه والصقالتين الكبيرتين بسلا ورباط الْفَتْح وَمَسْجِد العرائش ومدرسته وصقائلها وأبراجها وسوقها وصقائل طنجة وأبراجها وَالْمَسْجِد الْأَزْهَر ومدرسته بإصطبل مكناسة وَمَسْجِد البردعيين بهَا وضريح الشَّيْخ ابْن عِيسَى وضريح الشَّيْخ أبي عُثْمَان سعيد ومسجده ومدرسة الصهريج ومدرسة الدَّار الْبَيْضَاء وَمَسْجِد بريمة ومدرسته وَمَسْجِد هدراش وَمَسْجِد بَاب مراح وَثَلَاثَة أقواس بقنطرة وَادي سبو خَارج فاس وضريح الشَّيْخ عَليّ بن حرزهم وضريح الشَّيْخ دراس بن إِسْمَاعِيل
(ألمم بمغنى الْيمن من ذَا الْمجْلس ... وأدر بساحته نُجُوم الأكؤس)
(واسعد فَإِن الدَّهْر أسعد أَهله ... وأحلهم فِيهِ حُلُول المعرس)
(واشرب هنيء البال فِي جنباته ... يُغْنِيك عَن جيرون أهل الْمُقَدّس)
(واصرف عَن الزهراء ذكرك ساليا ... وَعَن الخورنق والرسوم الدَّرْس)
(لَو قلت مَا نَالَتْ بَدَائِع حسنه ... غرف البديع وَحقّ مجدك لم تس)
(نصر تحف بِهِ المحاسن كلهَا ... وتحار فِي مرآه عين الأكيس)
(فَإِذا أردْت إِصَابَة الْأَغْرَاض من ... كل المنى أَو كل معنى أنفس)
(أرسل مهام اللَّفْظ فِي أكنافه ... إِن الحنايا الحدب فِيهِ كالقس)
(لَا شَيْء أهنى من تفيىء ظله ... المخضل أَو من زهره المتنفس)
(تتمثل الأزهار فِي أنهاره ... مثل المجرة والنجوم النكس)
(وَترى الجداول تلتوي بغصونه ... تحكي البرين عَن الغواني الميس)
(طابت حسى الكاسات تَحت ظلاله ... وتسابقوا اللَّذَّات نَحْو المحتس)
(يَا منزلا قد خصصته سَعَادَة ... واستبدلته أنعما من أبؤس)
(أَصبَحت مأوى للوزير مُحَمَّد ... نجل الأدارسة الْكِرَام المغرس)
(إِنْسَان عين الْكَوْن من لبست بِهِ ... رتب العلى أبهى وأبهج ملبس)
(يَا أَيهَا الْبَحْر الَّذِي من فيضه ... كل الْأَمَانِي والغنى للْمُفلس)
(يهنيك ذَا الْقصر الَّذِي أنشأته ... بالسعد فِي عَام انْشِرَاح الْأَنْفس)
(قَابل قدور الدوح فِي جنباته ... بالغيد ترفل فِي بهي السندس)
(وَمَتى شربت زلاله فامزج بِهِ ... رَاح المراشف من أغن ألعس)
(لَا زلت تشرف من مطالع سعده ... كالبدر يظْهر من خلال الحندس)
(والدهر يخْدم جانبيك ويحتمي ... بجلالك العالي الْأَعَز الأقعس)
وَفِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف كَانَ الوباء بالمغرب وَهُوَ إسهال مفرط يعتري الشَّخْص ويصحبه وجع حاد فِي الْبَطن والساقين ويعقبه تشنج وبرودة واسوداد لون فَإِذا تَمَادى بالشخص حَتَّى جَاوز أَرْبعا وَعشْرين سَاعَة فالغالب السَّلامَة وَإِلَّا فَهُوَ الحتف وَفِي هَذَا الوباء مَاتَ
الصفحة 69