كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)

يحصل على طائل فَكَانَت حَاله فِي ذَلِك كَحال صَاحِبَة النعامة الْمَضْرُوب بهَا الْمثل عِنْد الْعَرَب وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
ثورة عمر بن يحيى بن الْوَزير الوطاسي بحصن تازوطا

اعْلَم أَن بني وطاس فَخذ من بني مرين لكِنهمْ لَيْسُوا من بني عبد الْحق وَكَانَت الرياسة فيهم لبني الْوَزير مِنْهُم وَبَنُو الْوَزير يَزْعمُونَ أَن نسبهم دخيل فِي مرين وَأَنَّهُمْ من أعقاب يُوسُف بن تاشفين اللمتوني لَحِقُوا بالبادية ونزلوا على بني وطاس فالتحموا بهم ولبسوا جلدتهم وحازوا رياستهم وَلما دخل بَنو مرين الْمغرب واقتسموا أَعماله كَمَا قدمنَا بقيت بِلَاد الرِّيف خَالِصَة لبني وطاس هَؤُلَاءِ فَكَانَت ضواحيها لنزولهم وأمصارها ورعاياها لجبايتهم وَكَانَ حصن تازوطا بهَا من أمنع معاقل الْمغرب وَلما غلب الْأَمِير أَبُو بكر بن عبد الْحق على مكناسة وَأقَام فِيهَا دَعْوَة الحفصيين ونهض السعيد بن الْمَأْمُون الموحدي من مراكش لغزوه فر أَمَامه إِلَى حصن تازوطا هَذَا وَنزل بِهِ على بني الْوَزير هَؤُلَاءِ لاجئا إِلَيْهِم ومستجيرا بهم فأرادوا الفتك بِهِ غيرَة مِنْهُ وحسدا لَهُ فشعر بهم وتحول عَنْهُم إِلَى عين الصَّفَا من بِلَاد بني يزناسن حَسْبَمَا تقدم ذَلِك كُله
وَلما انقرض أَمر بني عبد الْمُؤمن واستقام ملك الْمغرب لبني مرين صرفُوا عنايتهم إِلَى هَذَا الْحصن فَكَانُوا ينزلون بِهِ من الحامية من يثقون بغنائه واضطلاعه ليَكُون آخِذا بناصية هَؤُلَاءِ الرَّهْط من بني وطاس لما يعلمُونَ من سموهم إِلَى الرياسة وتطلعهم إِلَيْهَا وَكَانَ السُّلْطَان يُوسُف رَحمَه الله قد عقد على هَذَا الْحصن لِابْنِ أَخِيه مَنْصُور بن عبد الْوَاحِد بن يَعْقُوب وَكَانَ عمر وعامر ابْنا يحيى ابْن الْوَزير رئيسين على بني وطاس لذَلِك الْعَهْد فاستهونوا أَمر السُّلْطَان يُوسُف بعد موت وَالِده وَحَدثُوا أنفسهم بالثورة فِي ذَلِك الْحصن والاستبداد بِتِلْكَ النَّاحِيَة فَوَثَبَ عمر بن يحيى مِنْهُم بمنصور بن عبد الْوَاحِد فِي شعْبَان من سنة إِحْدَى وَتِسْعين
ويستوعب دقائق مبانيها فَكتبت مِنْهُ نَحْو أَرْبَعَة كراريس ثمَّ عاقت الأقدار عَن إِتْمَامه نَسْأَلهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَن يصرف عَنَّا الْعَوَائِق فِيمَا ينفعنا فِي ديننَا ودنيانا ويحفنا بالسعادة الدُّنْيَوِيَّة والأخروية فِي متقلبنا ومثوانا إِنَّه ولي ذَلِك والقادر عَلَيْهِ
وَمن وزراء السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رَحمَه الله الْوَزير الشهير أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْعَرَبِيّ قادوس الْمَدْعُو أفاندي كَانَ من موَالِي السُّلْطَان وغرس نعْمَته وربي دولته وَأَصله من أعلاج الإصبنيول وَكَانَ شعلة من الذكاء والفطنة وركنا شَدِيدا من أَرْكَان الدولة المحمدية فِي حسن التَّدْبِير والحزم الَّذِي لَا يعزب عَنهُ من أُمُور الحضرة قَلِيل وَلَا كثير وَقد أدْرك من فخامة الجاه وضخامة الرياسة غَايَة تفرد بهَا فِي وقته بِحَيْثُ كَانَت الأعاظم من وُجُوه الدولة تقف بِبَابِهِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة فَلَا يَتَيَسَّر لَهُم لقاؤه
وَلما توفّي السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد رَحمَه الله امتحن الْمولى يزِيد هماما الْوَزير فِي جملَة من امتحنه من أهل مراكش كَمَا سَيَأْتِي
الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى يزِيد بن مُحَمَّد وأوليته ونشأته رَحمَه الله

كَانَ الْمولى يزِيد هَذَا عِنْد وَالِده رَحمَه الله بِعَين الْعِنَايَة ملحوظا وَمن النقائص محروسا ومحفوظا وَكَانَ عَامَّة أهل الْمغرب وخاصتهم من الْجند والرعية متشوفين لَهُ ومغتبطين بِهِ يهتفون باسمه ويلهجون بِذكرِهِ لما كَانَ عَلَيْهِ من الْكَرم والشجاعة والتمسك بمذاهب الفتوة وَالدّين والاعتناء بجوائز أهل الْبَيْت ومحبة أهل الْخَيْر وإكرامهم وَإِقَامَة الصَّلَوَات لأوقاتها حضرا وسفرا لَا يشْغلهُ عَن ذَلِك شاغل فأصابته عين الْكَمَال وَصَارَ ينْتَقل من حَال إِلَى حَال حَتَّى خالطته جمَاعَة من الأغمار كَانُوا فِي خدمته فلزموه وحسنوا لَهُ الاستبداد على وَالِده وَالْخُرُوج عَلَيْهِ وأتوه من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه حَتَّى وقر ذَلِك فِي صَدره وارتسم فِيهِ وَكَانَ ذَلِك على حِين أَوَان الشبيبة وَأَخذهَا
فَأَوْصَاهُ بِمَا تنبغي الوصاة بِهِ وَأخْبرهُ أَن المَال الَّذِي عينه للنَّفَقَة على الْأَوْلَاد الْمَذْكُورين هِيَ نَفَقَة جمعت من حَلَال بَعْضهَا من أصُول بتافيلالت وَبَعضهَا من غَيرهَا مِمَّا هُوَ حَلَال وَقَالَ لَهُ احتفظ بذلك المَال وَاجعَل السخاء فِيهِ بِمَنْزِلَة الْملح فِي الطَّعَام اه وَلما عزم الْأَوْلَاد الْمَذْكُورين على الِانْفِصَال إِلَى وجهتهم أصحبهم السُّلْطَان رَحمَه الله وَصِيَّة كَافِيَة يَقُول فِيهَا مَا نَصه الْحَمد لله وَحده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَوْلَادنَا عبد الله وَإِبْرَاهِيم وعليا وَأَبا بكر وجعفرا وفقنا الله وَإِيَّاكُم للْعَمَل بِطَاعَتِهِ وحفظكم وأرشدكم وتولاكم وَكَانَ لكم فِي سَائِر أحوالكم وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته وَبعد فَإِنَّهُ لما كَانَت الْأَوْلَاد قطع الأكباد وعماد الظُّهُور وثمار الْقُلُوب وشفاء الصُّدُور وَجب أَن يكون لَهُم الْآبَاء السَّمَاء الظليلة والسحابة المنيلة وَخير الْآبَاء للأبناء مَا لم تَدعه الْمَوَدَّة للتفريط فِي الْحُقُوق وَخير الْأَبْنَاء للآباء مَا لم يَدعه التَّقْصِير إِلَى الْمُخَالفَة والعقوق قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَوْلَاد من رياحين الْجنَّة وَقَالَ الْقَائِل
(وَإِنَّمَا أَوْلَادنَا بَيْننَا أكبادنا ... تمشي على الأَرْض)
(إِن هبت الرّيح على بَعضهم ... تمْتَنع الْعين من الغمض)
هَذَا وَإِن أولى مَا زود بِهِ وَالِد وَلَده وَصِيَّة يتخذها فِي سَفَره إِمَامه ومعتمده فاعلموا أَنا وجهناكم لحج بَيت الله الْحَرَام وزيارة قبر نبيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام واستودعناكم الله الَّذِي لَا تضيع ودائعه فاقدروا قدر هَذِه الوجهة الَّتِي قصدتموها واعرفوا حق هَذِه الْعِبَادَة الَّتِي يممتموها فتوجهوا لَهَا بِحسن النِّيَّة راجين من الله سُبْحَانَهُ بُلُوغ الْقَصْد والأمنية وأوصيكم بتقوى الله فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى وَبِمَا أوصى بِهِ إِبْرَاهِيم بنيه {يَا بني إِن الله اصْطفى لكم الدّين فَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} الْبَقَرَة 132 وَبِمَا قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ وَهُوَ يعظه {يَا بني لَا تشرك بِاللَّه إِن الشّرك لظلم عَظِيم} {يَا بني أقِم الصَّلَاة وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وانه عَن الْمُنكر} لُقْمَان 13، 17 الْآيَة وَاسْتَوْصُوا بَعْضكُم بَعْضًا خيرا وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ وَتَوَاصَوْا بالمرحمة وأخوكم مولَايَ عبد الله أكبركم فكونوا عِنْد إِشَارَته فَإِن للسن حَقًا فِي

الصفحة 72