كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
وسِتمِائَة وفتك بحاشيته وَرِجَاله وأزعجه عَن الْحصن وغلبه على مَا كَانَ بقصره من مَال وَسلَاح ومتاع وأعشار للروم كَانَت مختزنة هُنَالك وَضبط الْحصن وشحنه بِرِجَالِهِ ووجوه قومه وَلحق مَنْصُور بن عبد الْوَاحِد بِعَمِّهِ السُّلْطَان يُوسُف فَهَلَك لليال أسفا على مَا أَصَابَهُ
وسرح السُّلْطَان يُوسُف وزيره الناصح أَبَا عمر بن السُّعُود بن خرباش الحشمي بِالْحَاء الْمُهْملَة فِي العساكر لمنازلة حصن تازوطا فَأَنَاخَ عَلَيْهِ بكلكله ثمَّ تبعه السُّلْطَان يُوسُف على أَثَره وَفِي صحبته عَامر بن يحيى بن الْوَزير أَخُو عمر الثائر فَإِنَّهُ كَانَ قد نزع إِلَيْهِ فأحاط السُّلْطَان بالحصن وضيق عَلَيْهِ حَتَّى اشفق عمر لشدَّة الْحصار ويئس من الْخَلَاص وَظن أَنه قد أحبط بِهِ فَدس إِلَى أَخِيه عَامر فِي كشف مَا نزل بِهِ فضمن عَامر للسُّلْطَان يُوسُف نزُول أَخِيه إِن هُوَ تَركه يصعد إِلَيْهِ حَتَّى يجْتَمع بِهِ فَأذن لَهُ السُّلْطَان يُوسُف فِي ذَلِك فَصَعدَ إِلَيْهِ وتفاوضا فِي أَمرهمَا وَآخر الْأَمر أَن عمر احْتمل الذَّخِيرَة وفر لَيْلًا الى تلمسان وبدا لعامر فِي النُّزُول عِنْدَمَا صَار فِي الْحصن فَامْتنعَ بِهِ قيل لِأَنَّهُ بلغه أَن السُّلْطَان يُوسُف عزم على قَتله أخذا بثار ابْن أَخِيه مَنْصُور ولإفلاته أَخَاهُ من يَده
وَاسْتمرّ على ذَلِك إِلَى أَن قدم على السُّلْطَان يُوسُف وَفد الأندلس وَفِيهِمْ الرئيس أَبُو سعيد فرج بن إِسْمَاعِيل بن الْأَحْمَر صَاحب مالقة رَاغِبًا فِي الصُّلْح مَعَ ابْن عَمه ومعتذرا عَنهُ فأرسى أساطيله بمرسى غساسة وَنزل إِلَى السُّلْطَان وَقدم بَين يَده هَدِيَّة تناسب الْحَال فَسمع بهم عَامر الوطاسي وَهُوَ فِي الْحصن فَبعث إِلَيْهِم يسألهم الشَّفَاعَة لَهُ عِنْد السُّلْطَان يُوسُف لوجاهتهم لَدَيْهِ فشفع لَهُ الرئيس أَبُو سعيد فَقبل السُّلْطَان يُوسُف شَفَاعَته بِشَرْط أَن ينْتَقل بحاشيته إِلَى المرسى وَركب أَكْثَرهم الأسطول وَتَأَخر عَامر إِلَى جَوف اللَّيْل فَنزل من الْحصن وخاض الفلاة إِلَى تلمسان فتبعت الْخَيل أَثَره ففاتهم وأدركوا وَلَده أَبَا الْخَيل فجيء بِهِ إِلَى السُّلْطَان يُوسُف فَبعث بِهِ إِلَى فاس فَضربت عُنُقه وصلب
مِنْهُ مأخذها وَكَانَت همته طماحة لَا تقف بِهِ عِنْد غَايَة فاستعجل الْأَمر قبل أَوَانه وَخرج على وَالِده بجبش العبيد حَسْبَمَا مر ولسان حَاله ينشد
(فَإِن يَك عَامر قد قَالَ جهلا ... فَإِن مَظَنَّة الْجَهْل الشَّبَاب)
فَسَقَطت مَنْزِلَته عِنْد أَبِيه بعد أَن بلغ من الحظوة لَدَيْهِ مَا بلغ وَكَانَ يرشحه للخلافة ويقمه على كبار إخْوَته لما ظهر لَهُ من نجدته واقتداره وجوده فِي مَحل الْجُود ورغبته فِي الْجِهَاد وولوعه بصناعة الرَّمْي بالمهراس فأسند إِلَيْهِ أَمر الطبجية والبحرية وَصَارَ يوجهه مَعَ الرؤساء والطبجية إِلَى الثغور كل سنة ليقف على الملازمين لصقائلها وأبراجها وَيُعلمهُم مَا يَحْتَاجُونَ إِلَى تعلمه وَلما رَآهُ وَالِده مغتبطا بذلك وتوسم فِيهِ النجابة أقبل عَلَيْهِ بالعطاء ثمَّ ولاه الْكَلَام مَعَ قناصل الْأَجْنَاس الَّذين بالمراسي واستنابة فِي ذَلِك
وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف ولاه السُّلْطَان على قَبيلَة كروان وهم يَوْمئِذٍ أعظم قبائل البربر خيلا ورجالا فأسند إِلَيْهِ أَمرهم وَتقدم إِلَيْهِ فِي أَن يَكفهمْ عَن الْحَرْب مَعَ آيت أدراسن فَسَار إِلَيْهِم واغتبطوا بِهِ واغتبط بهم وَصَارَ أحداثهم وَأَبْنَاء أعيانهم يركبون مَعَه للصَّيْد فغمرهم بالعطاء وأنعم عَلَيْهِم بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاح والكسي ولزموا مَجْلِسه حَتَّى أفسدوا قلبه وحسنوا لَهُ الانتزاء على الْملك وَقَالُوا هَذَا بَيت المَال الَّذِي بقبة الخياطين هُوَ فِي يدك وَلَيْسَ دونه مَانع وَبِه يقوم ملكك وَمَتى استدعيت إِخْوَاننَا آيت ومالو لم يتوقفوا عَنْك طرفَة عين وَلَا يقوم لَهُم شَيْء من الْجند وَغَيره وَلم يزَالُوا يفتلون لَهُ فِي الذرْوَة وَالْغَارِب حَتَّى شرهت نَفسه وَصَارَ لَا حَدِيث لَهُ إِلَّا فِي ذَلِك واطلع على ذَلِك قَائِد الودايا أَبُو مُحَمَّد عبد الْقَادِر بن الْخضر وَكَانَ محبا فِي جَانب السُّلْطَان صَادِق الْخدمَة وَالطَّاعَة لَهُ فَكتب إِلَيْهِ بِمَا عَلَيْهِ وَلَده مَعَ جروان وَأَنَّهُمْ يأْتونَ إِلَيْهِ بِالْمِائَةِ والمائتين ويبيتون عِنْده بالقصبة وَنحن خفنا أَن يبرز من ولدك أَمر فتعاقبنا عَلَيْهِ فأخبرناك بالواقع
التَّقَدُّم وَفِي الحَدِيث الشريف كبر كبر ومنذ نوينا توجيهكم لهَذِهِ الوجهة السعيدة وَنحن نجيل الْفِكر فِيمَن نوجهه مَعكُمْ حَتَّى وَقع اختيارنا على خديمنا الْحَاج مُحَمَّد الرزيني لكَونه نعم الرجل وَاجْتمعَ فِيهِ من الْأَوْصَاف المحمودة مَا افترق فِي غَيره فكونوا لَهُ بِمَنْزِلَة الْأَوْلَاد البررة وَليكن لكم بِمَنْزِلَة الْوَالِد الشفيق كَمَا قَالَ الْقَائِل
(وَكَانَ لَهَا أَبُو حسن عَليّ ... أَبَا برا وَنحن لَهُ بَنِينَ)
وآزرناه بالحاج أبي جنان البارودي لمروءته وَحسن هَدْيه وسمته وَكِلَاهُمَا خير وَالْحَمْد لله وآثرناكم على أَنْفُسنَا بالفقيه الأوحد المشارك السَّيِّد الْمهْدي ابْن سَوْدَة وَتوجه مَعَه أَخُوهُ وَهُوَ أَيْضا مِمَّن يشفع بِعِلْمِهِ فأوفوا كل وَاحِد مِنْهُم قسطه ومستحقه مِمَّا أرشد إِلَيْهِ الرَّسُول فهذب وأدب إِذْ قَالَ لَيْسَ منا من لم يوقر كَبِيرنَا وَيرْحَم صَغِيرنَا وَيعرف لعالمنا حَقه وحافظوا على دينكُمْ وَاشْتَغلُوا بِمَا يعنيكم واتركوا مَا لَا يعنيكم فَفِي الحَدِيث الشريف من حسن إِسْلَام الْمَرْء تَركه مَالا يعنيه واعكفوا على قراءتكم وَلَا تضيعوا الْأَوْقَات فِي البطالة خُصُوصا مَا يتَعَلَّق بِالْعبَادَة الَّتِي أَنْتُم بصددها فَمن الْآن اصرفوا كليتكم لقِرَاءَة الْمَنَاسِك وابدؤوا بأسهلها وأقربها مَنَاسِك المرشد الْمعِين ثمَّ مِنْهَا إِلَى مَا هُوَ أوسع فروعا وَأكْثر مسَائِل وعَلى الْفَقِيه السَّيِّد الْمهْدي الْمَذْكُور أَن لَا يألو جهدا ونصيحة فِي تعليمكم وَالْقِرَاءَة مَعكُمْ وَاجْعَلُوا أَيْضا وقتا مَعَ أَخِيه فَإِنَّهُ من طلبة الْوَقْت المدرسين فَلم يبْق لكم عذر فِي التَّقْصِير والبطالة وكل من توجه مَعكُمْ من الْأَصْحَاب والأتباع والدايات فَهُوَ فِي رعايتكم وَفِي الحَدِيث كلكُمْ رَاع وكلكم مسؤول عَن رَعيته فعلموهم أَمر دينهم ومناسك حجهم وخاطبوهم فِي ذَلِك على قدر مَا يفهمون ليَكُون عَمَلهم فِي صحيفتكم وَفِي الحَدِيث خَيركُمْ من تعلم وَعلم وَفِيه أَيْضا لِأَن يهدي الله بك رجلا وَاحِدًا خير لَك مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس وتحلوا بحلية أهل الْفضل والكمال وَكُونُوا على مَا يَنْبَغِي من الْأَدَب مَعَ الْخلق وَمَعَ الْخَالِق وهذبوا أخلاقكم وهشوا وبشوا لملاقاة النَّاس وعاملوا كل وَاحِد بِمَا يسْتَحقّهُ وَلَا زَالَ النَّاس يذكرُونَ هُنَالك أَخَاكُم مولَايَ سُلَيْمَان
الصفحة 73