كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
وعلقت بِهِ الثريا الْكُبْرَى من النّحاس الْخَالِص وَزنهَا اثْنَان وَثَلَاثُونَ قِنْطَارًا وَعدد كؤوسها خَمْسمِائَة كأس وَأَرْبَعَة عشر كأسا وَأنْفق السُّلْطَان فِي بِنَاء الْجَامِع وَعمل الثريا الْمَذْكُورَة ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار ذَهَبا
وَفِي سنة أَربع وَتِسْعين بعْدهَا خرج السُّلْطَان يُوسُف لغزو تلمسان فوصل إِلَى تاوريرت وَكَانَت تخما لعمل بني مرين وَبني عبد الْوَاحِد فنصفها للسُّلْطَان يُوسُف وَنِصْفهَا لعُثْمَان بن يغمراسن وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا بهَا عَامل من ناحيته فطرد السُّلْطَان يُوسُف عَامل ابْن يغمراسن وَشرع فِي بِنَاء الْحصن الَّذِي هُنَالك فأدار سوره وشيده وَركب أبوابه مصفحة بالجديد وَكَانَ يقف على بنائِهِ بِنَفسِهِ من صَلَاة الْغَدَاة إِلَى الْمسَاء لَا يغيب عَن العملة إِلَّا فِي أَوْقَات الضَّرُورَة وَفرغ من بنائِهِ وتحصينه فِي رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَلما تمّ شحنه بالعسكر وَالسِّلَاح وَعقد عَلَيْهِ لِأَخِيهِ أبي بكر بن يَعْقُوب ويكنى أَبَا يحيى وانكفأ رَاجعا إِلَى الحضرة ثمَّ خرج من فاس سنة خمس وَتِسْعين بعْدهَا بِقصد تلمسان فَسَار حَتَّى نزل على ندرومة فحاصرها وشدد فِي قتالها ورماها بالمنجنيق أَرْبَعِينَ يَوْمًا فامتنعت عَلَيْهِ فأفرج عَنهُ ثَانِي عيد الْفطر من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة فَسَار إِلَى تلمسان وبرز عُثْمَان بن يغمراسن لمدافعته فَانْهَزَمَ وتحصن بالأسوار وَتقدم السُّلْطَان يُوسُف حَتَّى نزل على تلمسان وَقتل من أَهلهَا خلقا ثمَّ أقلع عَنْهَا وَرجع إِلَى الْمغرب فَقضى نسك الْأَضْحَى من السّنة الْمَذْكُورَة برباط تازا وَأمر بِبِنَاء الْقصر بهَا وَسَار إِلَى فاس فَدَخلَهَا فاتح سنة سبع وَتِسْعين وسِتمِائَة ثمَّ ارتحل إِلَى مكناسة فَقضى بهَا بعض الوطر ثمَّ عَاد إِلَى فاس ثمَّ خرج مِنْهَا فِي جُمَادَى الأولى من السّنة الْمَذْكُورَة غازيا تلمسان وَمر فِي طَرِيقه بِمَدِينَة وَجدّة فَأمر ببنائها وَكَانَ أَبوهُ السُّلْطَان يَعْقُوب قد هدمها كَمَا مر فبناها السُّلْطَان يُوسُف فِي هَذِه الْمرة وحصن أسوارها وَبنى بهَا قَصَبَة ودارا لسكناه وحماما ومسجدا ثمَّ سَار إِلَى تلمسان فَنزل بساحتها وأحاطت عساكره بهَا إحاطة الهالة بالقمر وَنصب عَلَيْهَا الْقوس الْبَعِيدَة النزع الْعَظِيمَة الهيكل الْمُسَمَّاة بقوس الزيار اخترعها المهندسون والصناع وتقربوا إِلَى السُّلْطَان
بيعَة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى يزِيد بن مُحَمَّد رَحمَه الله
لما توفّي السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد رَحمَه الله فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم وَبلغ خبر مَوته الْمولى يزِيد وَهُوَ بِالْحرم المشيشي بَايعه الْأَشْرَاف هُنَالك وَسَائِر أهل الْجَبَل وَتقدم إِلَيْهِ السَّابِقُونَ من الْجند الَّذين كَانُوا محاصرين لَهُ فَبَايعُوهُ واستتب أمره فَتوجه إِلَى تطاوين إِذْ هِيَ أقرب الثغور إِلَيْهِ فَبَايعهُ أَهلهَا والقبائل الْمُجَاورَة لَهَا وَأطلق الْجند على يهود تطاوين فاستباحهم وَاصْطلمَ نعمتهم ثمَّ وَفد عَلَيْهِ أهل طنجة والعرائش وآصيلا فقابلهم بِمَا يجب ثمَّ توجه إِلَى طنجة فَخرج عسكرها للقائه ففرح بهم وَأحسن إِلَيْهِم وَبهَا قدم عَلَيْهِ وَفد أهل فاس من أَشْرَافهَا وعلمائها وأعيانها فأكرمهم وَولى عَلَيْهِم أَبَا عبد الله مُحَمَّد الْعَرَبِيّ الذيب ثمَّ انْتقل إِلَى العرائش فوفاه بهَا حَاشِيَة أَبِيه وخدمه ووجوه دولته بمتخلف وَالِده وقبابه وخيله وبغاله وَسَائِر أثاثه فَأحْسن إِلَيْهِم وصاروا مَعَه فِي ركابه إِلَى زرهون وَلما وصل إِلَيْهَا قدم عَلَيْهِ أَخُوهُ الْمولى سُلَيْمَان من تافيلالت بقبائل الصَّحرَاء عربها وبربرها وَمَعَهُ بِيعَتْ أهل سجلماسة وَكَانَ قد استجار بِهِ مُحَمَّد واعزيز فَإِنَّهُ كَانَ خَائفًا على نَفسه من الْمولى يزِيد لانحرافه عَنهُ أَيَّام أَبِيه فَسَار فِي صحبته بقبائله وَلما اجْتمع بالسلطان سامحه وأبقاه على قومه وَلما دخل مكناسة قدمت عَلَيْهِ قبائل الغرب كلهَا عربها وبربرها حَتَّى عصاة آيت ومالو ودجالهم مهاوش فَأعْطى مهاوش وَحده عشرَة آلَاف ريال وَأعْطى الَّذين قدمُوا مَعَه مائَة ألف ريال ثمَّ قدمت عَلَيْهِ قبائل الْحَوْز كُله من عرب وبربر لم يتَخَلَّف عَن بيعَته أحد وَقدم عَلَيْهِ أهل مراكش وأعمالها ببيعتهم وَنَصهَا
الْحَمد لله الْمُنْفَرد بِالْملكِ والخلق وَالتَّدْبِير الَّذِي أبدع الْأَشْيَاء بِحِكْمَتِهِ واخترع الْجَلِيل مِنْهَا والحقير الْغَنِيّ عَن الْمعِين والمرشد والوزير أَلا يعلم من خلق وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير يُؤْتِي الْملك من يَشَاء ويعز من يَشَاء وَهُوَ
مراكش فِي زيهم وزينتهم وَكَانَ يَوْم لقائهم يَوْمًا مشهودا وموسما من المواسم المعظمة معدودا اه
وَفِي سنة خمس وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة السَّابِع عشر من محرم مِنْهَا توفّي عَالم فاس وَالْمغْرب والمجيد فِي صناعَة التدريس والتحرير لَا سِيمَا مُخْتَصر الشَّيْخ خَلِيل الْفَقِيه الْعَلامَة الأوحد أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الفيلالي الفاسي وَكَانَ الْمُصَاب بِهِ خُصُوصا عِنْد طلبة الْعلم عَظِيما وَلم يتْرك بعده فِي إجادة تَحْرِير الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة مثله رَحمَه الله ونفعنا بِهِ وَفِي لَيْلَة السَّادِس من شعْبَان مِنْهَا بعد الْعشَاء الْأَخِيرَة زلزلت الأَرْض زلزالا يَسِيرا وَفِي رَابِع شَوَّال من هَذِه السّنة ورد الْمُجَاهِد أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن الْعَرَبِيّ فنيش السلاوي من مَدِينَة لوندرة إِلَى ثغر سلا وَمَعَهُ مركب موسوق فِيهِ سَبْعَة عشر مدفعا ومهراسان عظيمان من الْمَعْدن وَأَشْيَاء أخر من آلَة الْحَرْب وَكَانَ جلبه لذَلِك بِأَمْر السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن لعمارة البستيون الْجَدِيد بسلا الَّذِي قدمنَا ذكره قبل وَالله تَعَالَى أعلم
وَفِي هَذِه السّنة ظهر الْكَوْكَب ذُو الذَّنب أَيْضا وَهِي الْمرة الثَّالِثَة فِي هَذِه الْمدَّة
وَفَاة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام رَحمَه الله
كَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى عبد الرَّحْمَن رَحمَه الله قد قدم مراكش فاتح سنة سبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف ولأول دُخُوله عزل الْوَزير أَبَا عبد الله الجامعي ورتب مَكَانَهُ الْفَقِيه أَبَا عبد الله غريط أَيَّامًا يسيرَة ثمَّ استوزر الْفَقِيه أَبَا عبد الله الصفار التطاوني وَاسْتمرّ السُّلْطَان مُقيما بمراكش إِلَى آخر سنة ثَلَاث وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف فغزا زمور الشلح وَاجْتمعَ عَلَيْهَا هُوَ والخليفة سَيِّدي مُحَمَّد على الْعَادة ثمَّ صَار الْخَلِيفَة إِلَى مراكش وَانْحَدَرَ السُّلْطَان إِلَى مكناسة فاستمر مُقيما بهَا يَغْزُو زمور الشلح وَيعود إِلَيْهَا وَرُبمَا ذهب فِي بعض
الصفحة 76