كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
بقتل مشيخة المصامدة وَلَا يمهلهم طرفَة عين وَوضع عَلَيْهِ الْعَلامَة الَّتِي تنفذ بهَا الْأَوَامِر السُّلْطَانِيَّة وَختم الْكتاب وَبعث بِهِ مَعَ الْبَرِيد قَالَ ابْن الْخَطِيب وَلما أكد على حامله فِي الْعجل وضايقه فِي تَقْدِير الْأَجَل تأنى حَتَّى إِذا علم أَنه قد وصل وَأَن غَرَضه قد حصل فر الى تلمسان وَهِي بِحَال حصارها فاتصل بأنصارها حَالا بَين أنوفها وأبصارها وتعجب النَّاس من فراره وَسُوء اغتراره ورجمت الظنون فِي آثاره ثمَّ وصلت الْأَخْبَار بِتمَام الْحِيلَة واستيلاء الْقَتْل على أَعْلَام تِلْكَ الْقَبِيلَة فَتَركهَا شنعاء على الْأَيَّام وعارا فِي الأقاليم على حَملَة الأقلام اه وَلما وصل الْكتاب إِلَى ولد السُّلْطَان أخرج أُولَئِكَ الرَّهْط المعتقلين إِلَى مصَارِعهمْ وَحكم السَّيْف فِي رِقَاب جَمِيعهم فَقتل عَليّ بن مُحَمَّد الهنتاني وَولده وَعبد الْكَرِيم بن عِيسَى القدميوي وَبَنوهُ الثَّلَاثَة عِيسَى وَعلي مَنْصُور وَابْن أَخِيه عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد وطير الْأَمِير عَليّ بالأعلام إِلَى وَالِده مَعَ بعض وزرائه وَهُوَ يرى أَنه قد امتثل الْأَمر واستوجب الشُّكْر
فَلَمَّا وصل الرَّسُول بالْخبر إِلَى السُّلْطَان يُوسُف بَطش بِهِ فَقتله غيظا عَلَيْهِ وأنفذ الْبَرِيد فِي الْحَال باعتقال وَلَده وَقَامَ وَقعد لذك وَمن ذَلِك الْوَقْت قصر السُّلْطَان علامته على من يختاره من ثِقَات الْكتاب وعدولهم وَجعلهَا يَوْمئِذٍ للفقيه الْكَاتِب أبي مُحَمَّد عبد الله بن أبي مَدين وَكَانَ من الكفاة المضطلعين بِأُمُور الدولة المتحملين للكثير من أعبائها وَأما ابْن الملياني فَإِنَّهُ فر إِلَى تلمسان وَالسُّلْطَان يُوسُف محاصر لَهَا وَلما وَقع الإفراج عَنْهَا بعد حِين انْتقل إِلَى الأندلس فَبَقيَ هُنَالك إِلَى أَن توفّي بغرناطة سنة خمس عشرَة وَسَبْعمائة وَمن شعره يفخر بِهَذِهِ الفعلة وَغَيرهَا قَوْله
(الْعِزّ مَا ضربت عَلَيْهِ قبابي ... وَالْفضل مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ ثِيَابِي)
(والزهر مَا أهداه غُصْن يراعتي ... والمسك مَا أبداه نقس كتابي)
فالمجد يمْنَع أَن يزاحم موردي ... والعزم يَأْبَى أَن يضام جنابي)
(فَإِذا بلوت صَنِيعَة جَازَيْتهَا ... بجميل شكري أَو جزيل ثوابي)
(وَإِذا عقدت مَوَدَّة أجريتها ... مجْرى طَعَامي من دمي وشرابي)
(وَإِذا طلبت من الفراقد والسهى ... ثارا فَأوشك أَن أنال طلابي)
أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم فَإِن) النِّسَاء 59 وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِن أَمر عَلَيْكُم عبد مجدع أسود يقودكم بِكِتَاب الله فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام على الْمَرْء الْمُسلم السّمع وَالطَّاعَة فِيمَا أحب وَكره إِلَّا أَن يُؤمر بِمَعْصِيَة فَلَا سمع وَلَا طَاعَة وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام من خرج عَن الطَّاعَة وَفَارق الْجَمَاعَة فَمَاتَ مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة وَمن قَاتل تَحت راية عمية يغْضب لعصبية أَو يَدْعُو إِلَى عصبية أَو ينصر عصبية فَقتل فَقتلته جَاهِلِيَّة وَمن خرج على أمتِي يضْرب برهَا وفاجرها وَلَا يتحاشى مؤمنها وَلَا يَفِي لذِي عهدها فَلَيْسَ مني وَلست مِنْهُ أخرجهَا مُسلم كلهَا وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام السُّلْطَان ظلّ الله فِي الأَرْض يأوي إِلَيْهِ الضَّعِيف وَبِه ينتصر الْمَظْلُوم وَمن أكْرم سُلْطَان الله فِي الدُّنْيَا أكْرمه الله يَوْم الْقِيَامَة أَو كَمَا قَالَ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام السُّلْطَان الْعدْل المتواضع ظلّ الله وَرمحه فِي الأَرْض يرفع الله لَهُ عمل سبعين صديقا وَلما كَانَ أهل بَيت سيد الْمُرْسلين أعظم قُرَيْش فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ وَأكْرمهمْ منزلَة عِنْد رب الْعَالمين أنالهم الله تَعَالَى فِي خلقه فضلا كَبِيرا ومنحهم إجلالا ورفعة وتعظيما وتكبيرا قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} الْأَحْزَاب 33 وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام النُّجُوم أَمَان لأهل السَّمَاء وَأهل بَيْتِي أَمَان لأمتي وَإِن مِمَّن امتن الله بِهِ علينا من أهل هَذَا الْبَيْت الشريف الَّذِي أولاه الله أشرف التَّعْظِيم وَأعظم التشريف وَقدمه تَعَالَى لسلطانه الْعَزِيز وَرَفعه جلّ وَعلا على منصة التبريز عميد الْمجد الَّذِي لَا يتناهى فخره ووحيد الْحسب جلّ منصبه وَقدره الإِمَام الَّذِي أَلْقَت لَهُ الْإِمَامَة زمامها وقدمته الأفاضل لفضله إمامها من جَاءَت لَهُ الْخلَافَة تجر أذيالها وَأَخذهَا دون بني أَبِيه وَلم تَكُ تصلح إِلَّا لَهُ وَلم يَك يصلح إِلَّا لَهَا وَمن جبلت قُلُوب الْخَلَائق على محبته وَألقى لَهُ الْقبُول فِي الأَرْض لمجده ولعلو همته السُّلْطَان السعيد الواثق بربه الْمعِين الرشيد أَبَا المكارم والمفاخر سيدنَا ومولانا يزِيد ابْن مَوْلَانَا الإِمَام السُّلْطَان
(عجبا لَهَا لم تخش من فتكاته ... والأسد تزأر حوله وتحامي)
(عجبا لَهَا لم تستح من وَجهه ... وَالْوَجْه أبهج من بدور تَمام)
(عجبا لَهَا لم ترع طول قِيَامه ... متهجدا لله خير قيام)
(تَبًّا لَهَا لم تدر من فجعت بِهِ ... من مُعتق وأرامل الْأَيْتَام)
(أسفا على ذَات الْجلَال وَأَنه ... لأجل من أَسف وفرط هيام)
(يَا مَالِكًا كَانَت لنا أَيَّامه ... ظلا ظليلا دَائِم الإنعام)
(لَا ضير أَنَّك قد رحلت ميمما ... دَار الهناء وجنة الْإِكْرَام)
(فِي حَضْرَة تَغْدُو عَلَيْك بشائر ... من حورها بِتَحِيَّة وَسَلام)
(ضاجعت فِي تِلْكَ الْقُصُور كواعبا ... درية الألوان والأجسام)
(تسقيك صرف السلسبيل مروقا ... وتدير كأسا من مدام مدام)
(فلك الرضى فانعم بِمَا أَعْطيته ... وَلَك الهناء بنيل كل مرام)
بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى عبد الرَّحْمَن وَسيرَته ومآثره
يَكْفِيك أَيهَا الْوَاقِف على أَخْبَار هَذَا الإِمَام الْجَلِيل السّري النَّبِيل من مناقبه خصلتان إِحْدَاهمَا شَهَادَة عَمه السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان لَهُ بالتقوى وَالْعَدَالَة والمحافظة على خِصَال الْخَيْر ونوافله حَتَّى قدمه على بنيه حَسْبَمَا مر ذَلِك كُله مُسْتَوفى وَالثَّانيَِة إِقَامَته صلب هَذِه الدولة الشَّرِيفَة بعد إشرافها على الاختلال وردهَا إِلَى شبابها بعد أَن حَان مِنْهَا الزَّوَال والارتحال كَمَا رَأَيْته أَيْضا فعلى التَّحْقِيق أَن الْمولى عبد الرَّحْمَن رَحمَه الله هُوَ الْمولى إِسْمَاعِيل الثَّانِي وَأما حزمه وَضَبطه وَكَمَال عقله وتأنيه فِي الْأُمُور وَوَضعه الْأَشْيَاء موَاضعهَا وتبصره فِي مبادئها وعواقبها وإجراؤها على قوانينها فَمَا أَظُنك تجْهَل مِنْهُ شَيْئا بعد أَن قَصَصنَا عَلَيْك مَا مضى من أخباره رَحمَه الله وَقد رَأَيْت كَيفَ نزلت بِهِ النَّوَازِل وترادفت عَلَيْهِ الهزاهز من غير معِين يذكر أَو وَزِير يعْتَبر إِلَّا فِي الْقَلِيل النَّادِر فَقَامَ رَحمَه الله بأعباء ذَلِك كُله وعالج حلوه ومره حَتَّى رد النّصاب الملكي
الصفحة 78