كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
انْتِقَاض ابْن الْأَحْمَر واستيلاء الرئيس أبي سعيد على سبتة
كَانَ مُحَمَّد بن الْأَحْمَر الْمَعْرُوف بالفقيه قد هلك سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة وَولي الْأَمر بعده ابْنه مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمخلوع واستبد عَلَيْهِ كَاتبه أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحَكِيم الرندي وَكَانَ من أول مَا فعله مُحَمَّد المخلوع بعد استقلاله بِالْأَمر الْمُبَادرَة إِلَى أَحْكَام عقد الْمُوَالَاة بَينه وَبَين السُّلْطَان يُوسُف فأوفد عَلَيْهِ وَزِير أَبِيه أَبَا سُلْطَان عبد الْعَزِيز بن سُلْطَان الداني ووزيره الْكَاتِب أَبَا عبد الله بن الْحَكِيم فوصلا إِلَى السُّلْطَان يُوسُف بمعسكره من حِصَار تلمسان فتلقاهما بِالْقبُولِ والمبرة وجددت لَهما أَحْكَام الود وَالْولَايَة وانقلبا إِلَى مرساهما خير مُنْقَلب وَطلب السُّلْطَان مِنْهُمَا أَن يمدوه بِالرجلِ من عَسْكَر الأندلس وناشبتهم المعودين منازلة الْحُصُون والمثاغرة بالرباط فأسعفوه ثمَّ فسد مَا بَينهمَا لمنافسات جرت إِلَى ذَلِك فَانْتقضَ ابْن الْأَحْمَر وَعَاد لسنة سلفه من مُوالَاة الطاغية وممالاته على الْمُسلمين أهل الْمغرب وَأحكم الْعَهْد مَعَ هراندة بن سانجة من بني أذفونش مُلُوك قشتالة خذلهم الله
ثمَّ أوعز ابْن الْأَحْمَر الى ابْن عَمه الرئيس أبي سعيد فرج بن إِسْمَاعِيل صَاحب مالقة فِي إِعْمَال الْحِيلَة فِي الْغدر بِأَهْل سبتة فَفعل وداخل فِي ذَلِك بعض عُمَّال بني العزفي بهَا فأمكنه من الْبَلَد فاقتحمها بأساطيله وجنده على حِين غَفلَة من أَهلهَا وتقبض على بني العزفي ولى حاشيتهم وأركبهم الأسطول وَبعث بهم إِلَى مالقة ثمَّ مِنْهَا إِلَى غرناطة فَتَلقاهُمْ ابْن الْأَحْمَر واحتفل لَهُم وأنزلهم بقصوره وأجرى عَلَيْهِم النَّفَقَة واستقروا بالأندلس بُرْهَة من الدَّهْر ثمَّ عَادوا إِلَى الْمغرب كَمَا نذْكر وَأسْندَ الرئيس أَبُو سعيد بِأَمْر سبتة وثقف أطرافها وسد ثغورها وَبلغ الْخَبَر بذلك إل السُّلْطَان يُوسُف فحمى أَنفه وَعظم عَلَيْهِ الْأَمر فَبعث وَلَده الْأَمِير أَبَا سَالم إِبْرَاهِيم فِي جَيش كثيف إِلَى حصارها وحشد إِلَيْهَا قبائل الرِّيف وقيائل تازا فَلم يغن شَيْئا وَرجع مهزوما فسخطه السُّلْطَان لذَلِك وَأَهْمَلَهُ وَبَقِي على ذَلِك الى وَفَاة السُّلْطَان رَحمَه الله وَكَانَ انْتِقَاض ابْن الْأَحْمَر سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة
ثمَّ إِن السُّلْطَان الْمولى يزِيد رَحمَه الله زحف إِلَى سبتة واستنفر النَّاس لجهادها والمرابطة عَلَيْهَا واستصحب مَعَه آلَة الْحَرْب من المدافع والمهاريس وَنصب عَلَيْهَا سَبْعَة أشبارات كَانَ جلها لفنانشة سلا وأهرعت إِلَيْهِ المتطوعة من حَاضر وباد ونسلوا إِلَيْهِ من كل حدب وواد وَأقَام على حصارها مُدَّة ثمَّ أفرج عَنْهَا وَسَار إِلَى نَاحيَة مراكش لأمر اقْتضى ذَلِك فَلَمَّا وصل إِلَى مَدِينَة آنِفا بدا لَهُ من الرُّجُوع فَرجع وَنزل عَلَيْهَا واستأنف الْجد وأرهف الْحَد وَأرْسل إِلَى قبائل الْحَوْز يستنفرهم للْجِهَاد والمرابطة فتقاعدوا عَنهُ بعد أَن أشرف على فتحهَا وَكَانَ مَا نذكرهُ
انْتِقَاض أهل الْحَوْز على السُّلْطَان الْمولى يزِيد ابْن مُحَمَّد وبيعتهم لِأَخِيهِ الْمولى هِشَام رحمهمَا الله
لما قدمت قبائل الْحَوْز على السُّلْطَان الْمولى يزِيد بمكناسة ظهر لَهُم مِنْهُ بعض التَّجَافِي عَنْهُم وأنزلهم فِي الْعَطاء دون البربر والودايا وَغَيرهم فَسَاءَتْ ظنونهم بِهِ وانفسدت قُلُوبهم عَلَيْهِ وَلما رجعُوا إِلَى بِلَادهمْ تمشت رجالاتهم بَعْضهَا إِلَى بعض وخب الرحامنة فِي ذَلِك وَوَضَعُوا واتفقت كلمتهم مَعَ أهل مراكش وَعَبدَة وَسَائِر قبائل الْحَوْز فقدموا الْمولى هِشَام بن مُحَمَّد للْقِيَام بأمرهم وآتوه بيعتهم وطاعتهم وَلما اتَّصل خبر ذَلِك بالمولى يزِيد وَهُوَ محاصر لسبتة أقلع عَنْهَا وَسَار إِلَى الْحَوْز فشرد قبائله وَوصل إِلَى مراكش فَدَخلَهَا عنْوَة يُقَال إِن دُخُوله إِلَيْهَا كَانَ من الْبَاب الْمَعْرُوف بِبَاب يغلى فاستباحها وَقتل وسمل وَكَانَ الْحَادِث بهَا عَظِيما ثمَّ استجاش عَلَيْهِ الْمولى هِشَام قبائل دكالة وَعَبدَة وقصده بمراكش فبرز إِلَيْهِ الْمولى يزِيد وَلما التقى الْجَمْعَانِ بِموضع يُقَال لَهُ تازكورت انهزم جمع الْمولى هِشَام وتبعهم الْمولى يزِيد فأصيب برصاصة فِي خَدّه فَرجع إِلَى مراكش يعالج جرحه فَكَانَ فِي ذَلِك حتفه رَحمَه الله وَذَلِكَ أَوَاخِر جُمَادَى الثَّانِيَة سنة سِتّ وَمِائَتَيْنِ وَألف
(وأرحبهم فِي الْعِزّ باعا وَفِي العلى ... وَأَكْثَرهم فِي الْفضل حظا وأزيد)
(أَتَتْهُ عروس الْملك عاشقة لَهُ ... وَكم عاشق عَنْهَا يذاذ ويطرد)
(وَأَلْقَتْ على شوق إِلَيْهِ زمامها ... فطاب لَهَا مِنْهُ الجناب الممهد)
(فَأَصْبَحت الْأَيَّام تزهو بعدله ... وتنعم فِي ظلّ الهناء وتسعد)
(فَفِي بَابه مأوى المكارم والندى ... وَفِي بَابه الْخيرَات تولي وتوجد)
(ودولته للعز والنصر مألف ... وحضرته للأمن واليمن موعد)
(تذل مُلُوك الْعَالمين لِبَأْسِهِ ... وتركع مهما أبصرته وتسجد)
(لَهُ رَاحَة فِي الْجُود مَا الْغَيْث عِنْدهَا ... وَمَا الْبَحْر والدر النفيس الْمُقَلّد)
(لَهُ أنعم تأوي إِلَى ظلها المنى ... وتسحب أذيال السماح وترفد)
(وعزم على الْخيرَات لَيْسَ بسامع ... مقَالَة من فِي المكرمات يزهد)
(ورأي ينير الْخطب عِنْد اعتكاره ... وَيفْسخ مَا أَيدي النوائب تعقد)
(وَوجه إِذا مَا لَاحَ أيقنت أَنه ... محيا لَهُ وَقت السَّعَادَة مولد)
(حييّ كثير الابتسام مبارك ... يكبر رَبِّي إِن بدا ويوحد)
(أهز بِهَذَا الْمَدْح مِنْهُ معاطفا ... تجر ذيول الْفَخر إِن هُوَ يحمد)
(لَهُ الْعَسْكَر الجرار تبرق فِي الوغا ... صوارم مِنْهُ والمدافع ترْعد)
(يعد إِلَى الْأَعْدَاء كل كَتِيبَة ... من الرَّعْد يحدوها الوشيح المسدد)
(وكل كمى كالغضنفر مغضبا ... وكل صقيل وَهُوَ مَاض مُجَرّد)
(يبد العدا قبل اللِّقَاء مهابة ... فصارمه يفري الطلى وَهُوَ مغمد)
(هُوَ الْملك الْمَشْهُور بالحلم والدها ... وبالعلم والشهب الدراري تشهد)
(تشد لإدراك الْغنى عِنْد بَابه ... ركائب أنضاها الدؤب المشدد)
(يحدث عَنهُ الْوَفْد عِنْد صدوره ... أَحَادِيث من بَحر إِذا الْبَحْر يزِيد)
(إِلَى مجده آمالنا قد تطاولت ... وَلَيْسَ لَهَا إِلَّا حماه الْمُؤَيد)
(فيا ملكا يحمي الرّعية بأسه ... ويحييهم بالبذل والبذل أرغد)
(يدبر فيهم كل يَوْم مصالحا ... تعود بِمَا يرضون وَالْعود أَحْمد)
(ويشملهم بِالْعَدْلِ وَالْفضل والندا ... وَيصْلح بالصمصام من هُوَ مُفسد)
(هَنِيئًا لَك الْملك الْجَدِيد فَإِنَّهُ ... يَدُوم بِحَمْد الله وَهُوَ مسرمد)
الصفحة 82