كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)

الله تَعَالَى قدرهم وخلد مجدهم وفخرهم وَعند الْكَلَام على دولتهم السعيدة نذْكر كَيْفيَّة دُخُول هَذَا الشريف إِلَى الْمغرب وَالسَّبَب فِيهِ إِن شَاءَ الله
وَفِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة سرق من بَيت المَال بقصبة فاس اثْنَا عشر ألف دِينَار وَثَلَاث قلائد يساوين أَكثر من ذَلِك
وَفِي حُدُود السّبْعين وسِتمِائَة كَانَ ظُهُور البارود على مَا مر من أَن السُّلْطَان يَعْقُوب بن عبد الْحق فتح بِهِ سجلماسة فِي هَذِه الْمدَّة وَالله تَعَالَى أعلم
وَفِي سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة بنى الْمَسْجِد الْجَامِع بفاس الْجَدِيد وَفِي سنة تسع وَسبعين وسِتمِائَة علقت بِهِ ثرياه وَذَلِكَ يَوْم السبت السَّابِع وَالْعِشْرين من ربيع الأول مِنْهَا وَوزن هَذِه الثريا سَبْعَة قناطير وَخَمْسَة عشر رطلا وَعدد كؤوسها مِائَتَا كأس بالتثنية وَسبع وَثَمَانُونَ كأسا وفيهَا كَانَ الْجَرَاد الْعَام بالمغرب أكل الجسر وَالزَّرْع وَلم يتْرك خضراء على وَجه الأَرْض وَبلغ الْقَمْح عشرَة دَرَاهِم للصاع
وَفِي سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة بنيت قنطرة وَادي النجَاة وقنطرة ماريج
وَفِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة كَانَ بالمغرب قحط شَدِيد لم ير النَّاس قَطْرَة مَاء حَتَّى كَانَ الْيَوْم السَّابِع وَالْعشْرُونَ من رَمَضَان وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي توفيت فِيهِ الْحرَّة أم الْعِزّ بنت مُحَمَّد بن حَازِم العلوية من بني عَليّ بن عَسْكَر وَهِي أم السُّلْطَان يُوسُف فغاث الله الْعباد وأحيى برحمته الْبِلَاد
وَفِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بنيت قَصَبَة تطاوين وفيهَا ركبت الناعورة الْكُبْرَى على وَاد فاس شرع فِي عَملهَا فِي رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة ودارت فِي صفر من السّنة بعْدهَا
وَفِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بني سور قصر الْمجَاز وَركبت أبوابه وفيهَا غرس بُسْتَان المصارة بفاس الْجَدِيد وبنيت الدَّار الْبَيْضَاء بهَا أَيْضا
وَفِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة كَانَت الرّيح الشرقية المتوالية الهبوب وَنَشَأ عَنْهَا الْقَحْط الشَّديد وَاسْتمرّ ذَلِك إِلَى آخر سنة تسعين بعْدهَا فرحم الله
مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الله ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِسْمَاعِيل ابْن مَوْلَانَا الشريف فانعقد الْإِجْمَاع من أهل هَذِه الحضرة الإدريسية وَمَا حولهَا من الْبِقَاع على تقدمه وإمامته وَاسْتَبْشَرُوا بإمرته وخلافته وَبَادرُوا إِلَى تَعْيِينه وَبَايَعُوهُ بيعَة انْعَقَد على ألوية النَّصْر عقدهَا وطلع فِي أفق الهناء سعدها حضرها الصُّدُور والأعيان وَأهل الوجاهة فِي هَذَا الزَّمَان وذوو الْحل وَالْعقد وَمن إِلَيْهِم الْقبُول وَالرَّدّ من عُلَمَاء وأعلام وَأَصْحَاب الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَام وَعُظَمَاء أَشْرَاف كرام ورماة كبرا وولاة أمرا ورؤساء أجناد والمتقدمين فِي كل نَاد من عرب البدو والحضر وجيوش العبيد والبربر فانعقدت بِحَمْد الله مؤسسة على التَّقْوَى وَاشْتَدَّ بهَا عضد الْإِسْلَام وتقوى بيعَة تَامَّة محكمَة الشُّرُوط وفية العهود وَثِيقَة الربوط جَارِيَة على سنَن السّنة وَالْجَمَاعَة سَالِمَة من كل كلفة ومشقة وتباعة رَضِي الْكل بهَا وارتضاها وألزم حكمهَا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وأمضاها شهد بذلك الْحَاضِرُونَ على أنفسهم طَوْعًا وأدوا إِلَيْهِ تَعَالَى مَا وَجب عَلَيْهِم شرعا جعلهَا الله رَحْمَة على الْخلق وَأقَام بهَا فِي البسيطة الْعدْل وَالْحق وأيد بعونه وتأييده وتوفيقه وتسديده من تلقاها بِالْقبُولِ وَأَحْيَا بِهِ سنة سيدنَا ومولانا الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَشرف وكرم فهنيئا لأرضنا إِذْ أَلْقَت مقاليدها إِلَى من يحمي حماها ويحقن دماها ويكبت عَداهَا وَيدْفَع رداها وينصر الشَّرِيعَة ويشيد مبناها ويعلن بِحَقِيقَة الْحق ويوضح مَعْنَاهَا نَصره الله وَنصر بِهِ وأمات الْبدع والظلالة بِسَبَبِهِ وَدَمرَ بِهِ شيعَة الْجور وَالْفساد وَأبقى الْخلَافَة فِي بَيته إِلَى يَوْم التناد وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم النبيئين وعَلى آله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ والراوين عَنْهُم والمتلقين مِنْهُم آمين وَفِي ثامن عشر رَجَب الْفَرد الْحَرَام من سِتَّة وَمِائَتَيْنِ وَألف من هِجْرَة الْمُصْطَفى عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وأزكى السَّلَام أفقر العبيد إِلَى الله سُبْحَانَهُ عبد الله تَعَالَى مُحَمَّد التاودي بن الطَّالِب ابْن سَوْدَة المري كَانَ الله لَهُ وليا وَبِه حفيا أَحْمد بن التاودي الْمَذْكُور أَخذ
الْحُسَيْن الْمَعْرُوف بِأبي ريالة مِنْهُم فَإِنَّهُ أبدأ وَأعَاد وأتى بِمَا لم يسمع إِلَّا فِي زمَان الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم
حكى من حضر وتواتر عَنهُ أَنه كَانَ معلما براية صفراء وَكَانَ يضمها إِلَى صَدره ويسددها نَحْو الْعَدو ثمَّ يحمل على صفهم فيخرقه حَتَّى يَأْتِي من خَلفه ويفتك فيهم أَشد الفتك ثمَّ يعود ويستلب خيل الْعَدو ويقودها بأرسانها وَيَأْتِي بهَا حَتَّى يَدْفَعهَا لمن بإزائه وَكَانَ إِذا تقدم نَحْو الْعَدو يَقُول لمن حوله تقدمُوا فَأَنا درقتكم وَأَنا سوركم تكَرر ذَلِك مِنْهُ الْمرة بعد الْمرة وَلما أصبح الْعَدو بالمضيق فَارق الْبَحْر وصمد إِلَى تطاوين فَدخل بَين جبلين وَكَانَ فِي انْتِهَاء ذَلِك الْمضيق الَّذِي بَين الجبلين من جِهَة تطاوين وَيُسمى فَم العليق بعض أخبية أهل فاس وَغَيرهم فصمد الْعَدو نحوهم وبغتهم بالكور والضوبلي وَهُوَ يقرع طبوله حَتَّى أعجل الْبَعْض مِنْهُم عَن حمل أثقاله وَلما وصل إِلَى هَذَا الْموضع حصل بتطاوين انزعاج كَبِير واستأنف النَّاس الْجد وَالِاجْتِهَاد والقتال وتذامر جَيش الْمُسلمين وَكَانَ الْيَوْم شَدِيد الْمَطَر وقاتلوا قتالا شَدِيدا وأبدأ أَبُو ريالة وَأعَاد فِي هَذَا الْيَوْم هلك تَحْتَهُ فرسَان وَأرْسل لَهُ الْمولى الْعَبَّاس فرسه وَكَانَ يعتني بِهِ وينوه بِقَدرِهِ وَيبْعَث الطبل يقرع على خبائه وأصابته فِي هَذَا الْيَوْم جِرَاحَة خَفِيفَة وَهلك من الْمُسلمين وَالنَّصَارَى عدد كثير قيل هلك من أهل تطاوين فَقَط نَحْو الْخَمْسمِائَةِ وَكَانَ الظُّهُور فِي ذَلِك الْيَوْم لِلْعَدو وَمن الْغَد ارتحل من فَم العليق وَعدل يسارا إِلَى المرسى فَنزل بهَا ليتَمَكَّن من مدد الْبَحْر وَاسْتولى على برج مرتيل وَمَا وَالَاهُ كدار مرتيل الَّتِي هِيَ الديوانة وبمجرد وُصُوله إِلَيْهَا حصنها بأشبارات الرمل والمدافع وَغير ذَلِك وَاتخذ بهَا دورا من اللَّوْح وحوانيت مِنْهُ وَأقَام مطمئنا وَصَارَت المراكب تَتَرَدَّد لَهُ فِي الْبَحْر بالأقوات وَالْعدة والعسكر وَجَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ حَتَّى استراح ثَلَاثَة عشر يَوْمًا وَلم يكن فِي هَذِه الْمدَّة قتال وَلَا أنشبه الْعَدو وَفِي هَذِه الْأَيَّام ورد الْمولى أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن فِي جَيش بعث بِهِ السُّلْطَان من مكناسة وَنزل بِموضع يُقَال لَهُ فَم الجزيرة بِالتَّصْغِيرِ وَكَانَ الْمولى الْعَبَّاس نازلا بمدشر القلالين بِمحل مُرْتَفع يشرف على مَا حوله وَلما استراح الْعَدو

الصفحة 89