كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
بِلَاده وعباده وفيهَا توفّي الشَّيْخ الصَّالح أَبُو يَعْقُوب الْأَشْقَر بالكندرتين من بِلَاد بني بهْلُول من أحواز فاس وَلَعَلَّ أَبَا يَعْقُوب هَذَا هُوَ الَّذِي تنْسب إِلَيْهِ الْحمة الَّتِي قدمنَا الْكَلَام عَلَيْهَا فِي أَخْبَار الْمَنْصُور الموحدي وَالله أعلم وفيهَا بني الْمَسْجِد الْجَامِع بِمَدِينَة تازا وبنيت قبَّة مكناسة الزَّيْتُون ورباعها
وَفِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة أَمر السُّلْطَان يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْحق بِعَمَل المولد النَّبَوِيّ وتعظيمه والاحتفال لَهُ وصيره عيدا من الأعياد فِي جَمِيع بِلَاده وَذَلِكَ فِي شهر ربيع الأول من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ الْأَمر بِهِ قد صدر عَنهُ وَهُوَ بصبره من بِلَاد الرِّيف فِي آخر صفر من السّنة فوصل برسم إِقَامَته بِحَضْرَة فاس الْفَقِيه ابو يحيى بن أبي الصَّبْر وَاعْلَم أَنه قد كَانَ سبق السُّلْطَان يُوسُف إِلَى هَذِه المنقبة المولدية بَنو العزفي أَصْحَاب سبتة فهم أول من أحدث عمل المولد الْكَرِيم بالمغرب وَالله تَعَالَى أعلم
وَفِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة كَانَ كسوف الشَّمْس وَذَلِكَ قرب زَوَال يَوْم الْأَحَد التَّاسِع وَالْعِشْرين من رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة كسف مِنْهَا نَحْو الثُّلثَيْنِ وَصلى بِالنَّاسِ صَلَاة الْكُسُوف بِجَامِع الْقرَوِيين من فاس الْخَطِيب أَبُو عبد الله بن أبي الصَّبْر حَتَّى انجلت فَخرج من الْمِحْرَاب ووقف بإزائه فوعظ النَّاس وَذكرهمْ فِي هَذِه السّنة رفعت أَيدي الموثقين من الشَّهَادَة بفاس وَلم يبْق بهَا مِنْهُم سوى خَمْسَة عشر رجلا من أهل الْعَدَالَة والمعرفة وَكَانُوا قيل ذَلِك أَرْبَعَة وَتِسْعين وَكَانَ ذَلِك يَوْم الِاثْنَيْنِ الْحَادِي عشر من شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وفيهَا كَانَت الْجَمَاعَة الشَّدِيدَة والوباء الْعَظِيم عَم ذَلِك بِلَاد الْمغرب وإفريقية ومصر فَكَانَت الْمَوْتَى تحمل اثْنَيْنِ وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة على المغتسل وَبلغ الْقَمْح عشرَة دَرَاهِم للمد والدقيق سِتّ أَوَاقٍ بدرهم وَأمر السُّلْطَان يُوسُف
الله بِيَدِهِ وَكَانَ لَهُ فِي جَمِيع الْأُمُور وأناله الثَّوَاب والأجور وَعبد الله تَعَالَى مُحَمَّد بن عبد السَّلَام الفاسي لطف الله بِهِ آمين وَعبد الْقَادِر بن أَحْمد بن الْعَرَبِيّ بن شقرون أَمنه الله بمنه آمين وَمُحَمّد بن أَحْمد بنيس كَانَ الله لَهُ وليا ونصيرا آمين وَعبد ربه وأفقر عبيده إِلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الْمجِيد الفاسي لطف الله بِهِ وَعبد ربه سُبْحَانَهُ يحيى بن الْمهْدي الشفشاوني الحسني لطف الله بِهِ وَعبد ربه عَليّ بن إِدْرِيس كَانَ الله لَهُ ولطف بِهِ آمين وَعبد ربه تَعَالَى مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم لطف الله بِهِ وَعبد ربه سُبْحَانَهُ مُحَمَّد بن مَسْعُود الطرنباطي وَفقه الله بمنه آمين وَعبد ربه سُبْحَانَهُ سُلَيْمَان بن أَحْمد الشهير بالفشتالي كَانَ الله لَهُ وَأصْلح حَاله وَعبد ربه مُحَمَّد الْهَادِي بن زين العابدين الْعِرَاقِيّ الْحُسَيْنِي وَفقه الله وَعبد ربه سُبْحَانَهُ مُحَمَّد التهامي طَاهِر الحسني وَفقه الله آمين وَعبد الْملك بن الْحسن الفضيلي الحسني لطف الله بِهِ آمين وَعبد ربه إِدْرِيس بن هَاشم الحسني الجوطي لطف الله بِهِ آمين انْتهى
حَرْب السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان لِأَخِيهِ الْمولى مسلمة وطرده إِلَى بِلَاد الْمشرق
لما تمت بيعَة السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان بن مُحَمَّد رَحمَه الله بفاس بِاتِّفَاق أهل الْحل وَالْعقد من الْجند وَالْعُلَمَاء والأشراف وَسَائِر الْأَعْيَان تداعى أَمر الْمولى مسلمة إِلَى الاختلال وَكَانَ أول مَا ابْتَدَأَ بِهِ عمله بعد تِلْكَ الْبيعَة المستعجلة أَن بعث جَرِيدَة من الْخَيل إِلَى نظر الْقَائِد أبي عبد الله مُحَمَّد الزعري إِلَى رِبَاط الْفَتْح وَذَلِكَ باستدعاء محتسبها أبي الْفضل الْعَبَّاس مرينو وَأبي عبد الله مُحَمَّد الْمَكِّيّ بن الْعَرَبِيّ فرج من أَهلهَا المنحرفين عَن الْمولى سُلَيْمَان إِلَى التَّمَسُّك بدعوة الْمولى مسلمة وَكَانَ أهل رِبَاط الْفَتْح يَوْمئِذٍ على فرْقَتَيْن فرقة دخلت فِي طَاعَة الْمولى سُلَيْمَان وَفرْقَة أَقَامَت بالتمسك ببيعة الْمولى مسلمة
وصلحت أَحْوَال جَيْشه أنشب الْقِتَال فَكَانَ يخرج فيحوم حول المحلتين فَيُقَاتل وَيرجع فَكَانَ بريم دَائِما يكون فِي أول الْمُقدمَة على فرس أَبيض مَشْهُورا عِنْدهم مَوْصُوفا بالشجاعة وجودة الرَّأْي ثمَّ إِن الْعَدو عزم على مصادمة الْمُسلمين والهجوم على تطاوين فارتحل يَوْم السبت الْحَادِي عشر من رَجَب سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف وانكمش وَاجْتمعَ وَتقدم لِلْقِتَالِ وَأرْسل جنَاحا من الْخَيل طالعا مَعَ الْوَادي إِلَى جِهَة الْمَدِينَة وجناحا من الْعَسْكَر الرجالة طالعا من الغابة إِلَى جِهَتهَا أَيْضا وزحف بعسكره شَيْئا فَشَيْئًا وَهُوَ فِي ذَلِك يَرْمِي الكور والضوبلي وَالْبِغَال تجر المدافع والجناحات ممتدان يكتنفان محلّة الْمولى أَحْمد وَلما قربا مِنْهَا وَكَاد ينطبقان عَلَيْهَا فر من كَانَ بهَا وَتركُوا الأخبية والأثاث بيد الْعَدو فاستولى عَلَيْهَا وَنزل هُنَالك بعسكره وحصن عَلَيْهِ وتقهقر الْمولى الْعَبَّاس بجيشه حَتَّى نزل خلف تطاوين وَبقيت بَينه وَبَين الْعَدو وَكَانَ فِي تقهقره هَذَا قد دخل الْمَدِينَة وَمر فِي وَسطهَا وَاضِعا منديلا على عَيْنَيْهِ وَهُوَ يبكي أسفا على الدّين وَقلة ناصره وَلما اسْتَقر بالمحلة مَعَ الْعشي خرج إِلَيْهِ أهل تطاوين وَشَكوا إِلَيْهِ مَا نزل بهم من أَمر الْعَدو وَاسْتَأْذَنُوا فِي تَحْويل أثاثهم وأمتعتهم وحريمهم إِلَى مداشر الْجَبَل وَحَيْثُ يأمنون على أنفسهم قبل حُلُول معرة الْعَدو بهم فَأذن لَهُم وَعذرهمْ وَكَانَ قبل ذَلِك قد منع النَّاس من نقل أمتعتهم وحريمهم لِئَلَّا يفتنوا الْمُسلمين ويجروا عَلَيْهِم الْهَزِيمَة ولكي يقاتلوا عَلَيْهَا بِالْقَلْبِ والقالب فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْيَوْم وَشَكوا إِلَيْهِ أَمر الْعَدو الَّذِي قد أطل عَلَيْهِم وَلم يبْق إِلَّا أَن يثب وثبة أُخْرَى فَيصير بهَا فِي وسط الْبَلَد عذرهمْ وَكَانَ الْعَدو حِين نزل بِفَم الجزيرة عَشِيَّة ذَلِك الْيَوْم قد أرسل أَربع كورات على تطاوين فَوَقَعت فِي وسط الْمَدِينَة كَأَنَّهُ يعلمهُمْ بِأَنَّهُ قد أشرف عَلَيْهِم وَلم يبْق دون أَخذهم قَلِيل وَلَا كثير وَلما سمع النَّاس كَلَام الْمولى الْعَبَّاس انْطَلقُوا مُسْرِعين إِلَى نقل أمتعتهم وَقَامَ الضجيج فِي الْمَدِينَة وَاخْتَلَطَ المرعى بالهمل وامتدت أَيدي الغوغاء إِلَى النهب وخلع النَّاس جِلْبَاب الْحيَاء وانهار من كَانَ هُنَالك من أهل الْجَبَل والأعراب والأوباش ينقبون ويكسرون أَبْوَاب الدّور والحوانيت والداخل للمدينة أَكثر من الْخَارِج
الصفحة 90