كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)

بتبديل الصيعان وَجعلهَا على مد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ ذَلِك بالحضرة على يَد الْفَقِيه ابي فَارس عبد الْعَزِيز الملزوزي الشَّاعِر الْمَشْهُور
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة فِيهَا صلح أَمر النَّاس وانجبرت أَحْوَالهم ورخصت الأسعار فِي جَمِيع الْأَمْصَار فَبيع الْقَمْح بِعشْرين درهما للصحفة وَفِي هَذِه السّنة كسفت الشَّمْس أَيْضا الْكُسُوف الْكُلِّي بِحَيْثُ غَابَ قرص الشَّمْس كُله وَصَارَ النَّهَار لَيْلًا كالحالة الَّتِي تكون مَا بَين العشاءين وَظَهَرت النُّجُوم وماج النَّاس وَضَاقَتْ نُفُوسهم وَلَوْلَا أَن الله سُبْحَانَهُ تداركهم بِسُرْعَة انجلائها لهلكوا جزعا وَكَانَ ذَلِك بعد صَلَاة ظهر الثُّلَاثَاء الثَّامِن وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة من سنة أَربع وَتِسْعين الْمَذْكُورَة
وَفِي سنة سَبْعمِائة أسس السُّلْطَان يُوسُف بن يَعْقُوب مدينته المنصورة بِإِزَاءِ تلمسان وَهُوَ محاصر لَهَا الْحصار الطَّوِيل حَسْبَمَا مر الْخَبَر على ذَلِك مُسْتَوفى وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي ثَابت عَامر بن عبد الله ابْن يُوسُف ابْن يَعْقُوب بن عبد الْحق رَحمَه الله

قد تقدم لنا أَن أَبَا عَامر عبد الله ابْن السُّلْطَان يُوسُف كَانَ قد انتبذ عَن أَبِيه وَبَقِي متنقلا فِي جِهَات الرِّيف وبلاد غمارة إِلَى أَن هلك فِي بِلَاد بني سعيد مِنْهُم وَأَنه خلف ثَلَاثَة أَوْلَاد أحدهم أَبُو ثَابت عَامر بن عبد الله هَذَا الَّذِي ولي الْأَمر بعد جده وَذَلِكَ أَنه لما هلك السُّلْطَان يُوسُف رَحمَه الله بالمنصورة كَمَا تقدم كَانَ حافده أَبُو ثَابت هَذَا فِي جملَته وَكَانَ لَهُ فِي بني ورتاجن من أهل تِلْكَ الْبِلَاد خؤلة فلحق بهم ودعا لنَفسِهِ فَبَايعُوهُ وَقَامُوا مَعَه فِي أمره وَبَايَعَهُ مَعَهم أَشْيَاخ بني مرين وَالْعرب بِظَاهِر المنصورة يَوْم الْخَمِيس ثَانِي يَوْم وَفَاة جده يُوسُف وبادر الْحَاشِيَة والوزراء وَمن شايعهم بداخل المنصورة إِلَى بيعَة الْأَمِير أبي سَالم بن السُّلْطَان يُوسُف وَكَاد أَمر بني
وَلما اتَّصل بالمولى سُلَيْمَان خبر مسير الزعري إِلَى رِبَاط الْفَتْح عقد لِأَخِيهِ الْمولى الطّيب على بني حسن وَبَعثه فِي اعتراضه فتوافى الجيشان مَعًا برباط الْفَتْح وَوَقعت الْحَرْب فَانْهَزَمَ الزعري وشيعته وَقتل الْعَبَّاس مرينو وفر الْمَكِّيّ فرج إِلَى الزاوية التهامية فَاسْتَجَارَ بهَا وَقبض الْمولى الطّيب على الزعري وَجَمَاعَة من أَصْحَابه ثمَّ سرحه بِأَمْر السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان وَاجْتمعت كلمة أهل العدوتين على طَاعَته هَكَذَا سَاق صَاحب الْبُسْتَان هَذَا الْخَبَر وَآل فرج يثبتونه وَيَقُولُونَ إِن أصل هَذِه الْفِتْنَة أَن آل مرينو كَانَت لَهُم الوجاهة مَعَ الْمولى يزِيد رَحمَه الله فسعوا عِنْده بآل فرج وَقَالُوا لَهُ إِنَّهُم تقاعدوا على مَال الْوَزير أبي عبد الله مُحَمَّد الْعَرَبِيّ قادوس الَّذِي أَمنه عِنْدهم فبطش بهم الْمولى يزِيد وصادرهم واستحكمت الْعَدَاوَة يَوْمئِذٍ بَينهم وَبَين آل مرينو فَلَمَّا توفّي الْمولى يزِيد بَادر آل مرينو وَمن لافهم إِلَى بيعَة الْمولى مسلمة وانحرف عَنْهُم إِلَى بيعَة الْمولى سُلَيْمَان من لم يكن من حزبهم وَلما قتل الْعَبَّاس مرينو عمد أوباش رِبَاط الْفَتْح إِلَى شلوه وربطوا فِي رجله حبلا وجروه فِي أسواق الْمَدِينَة وعرضوه على حوانيتها حانوتا حانوتا إِذْ كَانَ فِي حَيَاته محتسبا رَحمَه الله وَكَانَ السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان فِي هَذِه الْمدَّة مُقيما بفاس لم يَتَحَرَّك مِنْهُ ثمَّ أَن الْمولى مسلمة صَاحب بِلَاد الهبط بعث وَلَده إِلَى آيت يمور وَأمرهمْ أَن يشنوا الْغَارة على أهل زرهون الَّذين هم فِي طَاعَة السُّلْطَان فَفَعَلُوا وَكثر عيثهم فِي الرعايا فَسَار السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان إِلَى مكناسة واستنفر جَيش العبيد وقبائل البربر ثمَّ وافاه الودايا وَأهل فاس وشراقة فَاجْتمع عَلَيْهِ الجم الْغَفِير وصمد بهم إِلَى آيت يمور فألفاهم على نهر سبو بالموضع الْمَعْرُوف بِالْحجرِ الْوَاقِف فصمدت إِلَيْهِم العساكر وأوقعت بهم وقْعَة شنعاء وفر ولد الْمولى مسلمة فلحق بِأَبِيهِ ولجأ آيت يمور بقضهم وقضيضهم إِلَى جبل سلفات وَبقيت حلتهم بماشيتها وأثاثها بيد السُّلْطَان فانتهبتها جيوشه من العبيد والودايا والبربر وَبَات السُّلْطَان هُنَالك وَلما أصبح بعث إِلَيْهِ آيت يمور نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادهمْ للشفاعة وَطلب الْعَفو فَعَفَا عَنْهُم وثابوا إِلَيْهِ وَبَايَعُوهُ فأنعم عَلَيْهِم بماشيتهم وزرعهم وَعَاد إِلَى فاس ثمَّ
وَبَاتُوا ليلتهم كَذَلِك إِلَى الصَّباح وَلما طلع النَّهَار وتراءت الْوُجُوه انتقلوا من نهب الْأَمْتِعَة إِلَى الْمُقَاتلَة عَلَيْهَا فَهَلَك دَاخل الْمَدِينَة نَحْو الْعشْرين نفسا وعظمت الْفِتْنَة وتخوف من بَقِي بتطاوين عَاجِزا عَن الْفِرَار فَاجْتمع جمَاعَة مِنْهُم على الْحَاج أَحْمد بن عَليّ آبعير أَصله من طنجة وَسكن تطاوين وَتَشَاوَرُوا فِيمَا نزل بهم فأجمع رَأْيهمْ على أَن يكتبوا كتابا إِلَى كَبِير محلّة الْعَدو أردنيل يطْلبُونَ مِنْهُ أَن يقدم عَلَيْهِم لتحسم مَادَّة الْفِتْنَة الَّتِي هم فِيهَا فَكَتَبُوا الْكتاب ووجهوه مَعَ جمَاعَة مِنْهُم فَمَا انفصلوا عَن الْمَدِينَة غير بعيد حَتَّى عثروا على طلائع الْعَدو يطوفون حول الْمَدِينَة ويحرسون محلتهم فتسابقوا إِلَيْهِم وهشوا وبشوا وسألوهم مَا الَّذِي أقدمكم فَقَالُوا جِئْنَا بِكِتَاب إِلَى أردنيل فأبلغوهم إِلَيْهِ فأظهر أَيْضا الْبشر والفرح وَقدم إِلَيْهِم طَعَاما من الْحَلْوَاء وَقَالَ لَهُم فِي جملَة كَلَامه إِنِّي أفعل مَعكُمْ مَا لم يَفْعَله الفرنسيس مَعَ أهل الجزائر وتلمسان يَعْنِي من الْإِحْسَان وَكذب خذله الله فَإِن ذَلِك من حيله الَّتِي يستهوي بهَا الأغمار وَيفْسد بهَا الدّين وَإِلَّا فَأَي إِحْسَان فعله الفرنسيس مَعَ أهل الجزائر وتلمسان أَلسنا نرى دينهم قد ذهب وَأَن الْفساد قد عَم فيهم وَغلب وَأَن ذَرَارِيهمْ قد نشؤوا على الزندقة وَالْكفْر إِلَّا قَلِيلا وَعَما قريب يلْحق التَّالِي بالمقدم وَالله تَعَالَى يحوط مِلَّة الْإِسْلَام وَيكسر بقوته شَوْكَة الزَّنَادِقَة وَعَبدَة الْأَصْنَام وَلما عرضوا على الْعَدو الدُّخُول إِلَى بلدهم قَالَ لَهُم أما الْيَوْم فَيوم الْأَحَد وَهُوَ عيد النَّصَارَى وَلَا يحل لي التحرك والانتقال وَأما غَدا فانظروني فِي السَّاعَة الْعَاشِرَة من النَّهَار فَرَجَعُوا إِلَى أهلهم وأصحابهم وأعلموهم بمقالة الْعَدو وَالْحَال مَا حَال والقتال لَا زَالَ وأبواب الحوانيت تكسر والدور تخرب وَالْقَوِي يَأْكُل الضَّعِيف وَبَاتُوا لَيْلَة الِاثْنَيْنِ كَذَلِك وَأَصْبحُوا من الْغَد كَذَلِك ثمَّ إِن الْعَدو استعد وَأخذ أهبته وَتقدم إِلَى تطاوين بعد أَن فرق عسكره على جِهَتَيْنِ فرقة مرت مَعَ أردنيل على الْجَبانَة قاصدة الْبَاب الَّذِي يُفْضِي إِلَيْهَا وَفرْقَة ذهبت مستعلية إِلَى جِهَة القصبة والبرج وَلما وصل أردنيل إِلَى الْبَاب وصل الْآخرُونَ إِلَى القصبة فَأَما أردنيل فَوجدَ الْبَاب مغلقا وَكَلمه الْمُسلمُونَ من دَاخل الْمَدِينَة فَأَمرهمْ

الصفحة 91