كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 3)
رؤياه، وكذا رؤيا شيء منه، أو مما ينسب إليه عن ذلك، فهو أبلغ في الحرمة، وأليق بالعصمة، كما عصم من الشيطان في يقظته.
قال: والصحيح في تأويل هذا الحديث أن مقصوده أن رؤيته في كل حالة ليست باطلة، ولا أضغاثًا بل، هي حق في نفسها, ولو رئي على غير صورته، فتصور تلك الصورة ليست من الشيطان، بل هو من قبل الله، وهذا قول القاضي أبي بكر بن الطَّيِّب وغيره. ويؤيده قوله "فقد رأى الحق" أي رأى الحق الذي قصد إعلام الرائي به، فإن كانت على ظاهرها وإلا سعى في تأويلها, ولا يهمل أمرها لأنها إما بشرى بخير، أو إنذار من شر. إما ليخيف الرائي، وإما لينزجر عنه، وإِما لينبه على حكم يقع له في دينه أو دنياه.
وقال ابن بطال: قوله "فسيراني في اليقظة" يريد تصديق تلك الرؤيا في اليقظة، وصحتها وخروجها على الحق، وليس المراد أنه يراه في الآخرة, لأنه سيراه يوم القيامة في اليقظة، فيراه جميع أمته، من رآه في النوم، ومن لم يره منهم. وقال ابن التين: المراد من آمن به في حياته، ولم يره، لكونه حينئذ غائبًا عنه، فيكون بهذا مبشرًا لكل من آمن به ولم يره أنه لابد أن يراه في اليقظة" قبل موته، قاله القزَّاز.
وقال من المازَرِيّ: إن كان المحفوظ "فكأنما رآني في اليقظة" فمعناه ظاهر، وإن كان المحفوظ "فسيراني في اليقظة" احتمل أن يكون أراد أهل عصره ممن لم يهاجر إليه، فإنه إذا رآه في المنام جعل ذلك علامة على أنه يراه بعد ذلك في اليقظة، وأوحى الله بذلك إليه صلى الله تعالى عليه وسلم. وقيل: معنى الرؤية في اليقظة أنه سيراه في الآخرة وتُعقَّب بأنه في الآخرة يراه جميع أمته؛ من رآه في المنام ومن لم يره، يعني فلا يبقى لخصوص رؤيته في المنام مزية. وأجاب عياض باحتمال أن تكون رؤياه له في النوم على الصفة التي عرف بها، ووصف بها، موجبةً لتكرمته في الآخرة، وأن يراه رؤية خاصة من القرب منه، والشفاعة له بعلو الدرجة،
الصفحة 474
503