كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 3)

ونحو ذلك من الخصوصيات. قال: ولا يَبْعدُ أن يعاقب الله بعض المذنبين في القيامة بمنع رؤية نبيه عليه الصلاة والسلام مدة. قلت: الجواب الأحسن هو أن يقال: من أين للمتعقب أن جميع أمته يرونه في الآخرة؟ هل ورد نص من الشارع بذلك؟ وأيضًا أكلُّ من آمن به يأمن من سوء الخاتمة أعاذنا الله تعالى من ذلك؟ وأي بشرى وفائدة أعظم من أن رؤيته، صلى الله تعالى عليه وسلم، في النوم أمان لصاحبها من سوء الخاتمة، ضامنة لصاحبها الموت على الإِيمان؟
وقد قال الدَّمامينيّ في قوله "فسيراني في اليقظة" بشارة لرائيه بالموت مسلمًا, لأنه لا يراه تلك الرؤية الخاصة باعتبار القرب إلا من تحقق موته على الإِسلام. وحمله ابن أبي جمرة على محمل آخر، فذكر عن ابن عباس أو غيره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، في المنام، فبقي بعد أن استيقظ متفكرًا في هذا الحديث، فدخل على بعض أمهات المؤمنين، ولعلها خالته ميمونة، فأخرجت له المرآة التي كانت للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فنظر فيها فرأى صورته عليه الصلاة والسلام، ولم ير صورة نفسه. ونقل عن جماعة من الصالحين أنهم رأوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في المنام، ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة، وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين، فأرشدهم إلى طريق تفريجها، فجاء الأمر كذلك.
قال في "الفتح": هذا مشكل جدًا، ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة، ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة. ويُعَكَّرُ عليه أن جمعًا جمًا رأوه في المنام، ولم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة، وخبر الصادق لا يتخلف، وقد اشتد إنكار القرطبيّ على من قال: من رآه في المنام فقد رأى حقيقته، ثم يراها كذلك في اليقظة كما مر قريبًا، وقد تفطن ابن أبي جمرة لهذا، فأحال بما قال على كرامات الأولياء، فإن يكن كذلك تعين العدول عن العموم في كل راءٍ، ثم ذكر أنه عام في أهل التوفيق، وأما غيرهم فعلى الاحتمال، فإن خرق العادة قد يقع للزنديق بطريق الاغواء والإِملاء، كما

الصفحة 475