كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 3)

وإحسان. قال في "الفتح": وهذا جوابٌ سابعٌ، والذي قبله لم يظهر لي، فإن ظهر فهو ثامن. قلت: وأنا أيضًا لم يظهر لي.
وأعلم أن الرؤيا بالقصر، هي ما يراه الشخص في منامه، وهي بوزن فُعْلى وقد تسهل الهمزة، وقال الواحدي: هل في الأصل مصدر كاليُسْرى، فلما جعلت اسمًا لما يتخيله النائم أُجريت مجرى الأسماء. قال الراغب: الرؤية، بالهاء، إدراك المرء بحاسة البصر وتطلق على ما يدرك بالتخيل نحو أرى أن زيدًا مسافر، وعلى التفكير النظري: نحو أرى ما لا ترون. وعلى الرأي، وهو اعتقاد أحد النقيضين على غلبة الظن.
وقال القرطبي في "المفهم": قال بعض العلماء: قد تجىء الرؤيا بمعنى الرؤية كقوله تعالى {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ} [الإسراء: 60] فزعم أن المراد بها ما رآه النبي عليه الصلاة والسلام ليلة الإسراء من العجائب، وكان الإِسراء جميعه في اليقظة، قلت: ومن هذا المعنى قول الشاعر يصف صيادًا:
وكبَّر للرؤيا، وهشَّ فؤاده ... وبَشَّر قلبًا كان جمًا بلابله
وعكس بعضهم، فجعل الآية دليلًا على أن الإسراء كان منامًا، ويأتي إن شاء الله تعالى، تحرير هذه المسألة في غير هذه المحل عند حديث الإسراء في أول كتاب الصلاة. ويحتمل أن تكون الحكمة في تسمية ذلك رؤيا كون أمور الغيب مخالفة لرؤية الشهادة، فاشبهت ما في المنام. واختلف في حقيقة الرؤيا المنامية، فقال أبو بكر بن العربيّ، والاستاذ أبو إسحاق: الرؤيا إدراكات علقها الله تعالى في قلب العبد على يدي ملك أو شيطان، إما باسمائها أي حقيقتها، وإِما بكنُاها أي عبارتها وإما تخليطًا. ونظيرها في اليقظة الخواطر، فإنها قد تأتي على نسق في قصد، وقد تأتي مسترسلة غير محصلة.
وذهب أبو بكر بن الطَّيِّب إلى أنها اعتقادات واحتج بان الرائي قد يرى نفسه بهيمة، أو طائرًا مثلًا، وليس هذا إدراكًا، فوجب أن يكون اعتقادا،

الصفحة 477