كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 3)

لأن الاعتقاد قد يكون على خلاف المعتقد. قال ابن العربيّ: والأول أولى. والذي يكون من قبيل ما ذكر ابن الطَّيِّب من قبيل المثل، فالإدراك إِنما يتعلق به لا بأصل الذات.
وقال المازَريّ: كثر كلام الناس في حقيقة الرؤيا، وقال فيها غير الاسلاميين أقاويل كثيرة منكرة, لأنهم حاولوا الوقوف على حقائق لا تدرك بالعقل، ولا يقوم عليها برهان، وهم لا يصدقون بالسمع فاضطربت أقوالهم.
فمن ينتمي إلى الطب ينسب جميع الرؤيا إلى الأَخلاط فيقول: من غلب عليه البَلْغَم رأى أنه يسبح في الماء ونحو ذلك، لمناسبة الماء طبيعة البلغم. ومن غلبت عليه الصفراء، رأى النيران والصعود في الجو، وهكذا وهذا، وإن جوَّزه العقل، وجاز أن يجري الله العادة به، لكنه لم يقم عليه دليلٌ، ولا اطردت به عادة، والقطع في موضع التجويز غلط.
ومن ينتمي إلى الفلسفة يقول: إن صور ما يجري في الأرض هي في العالم العلوي كالنقوش، فما حاذى بعض النقوش منها انتقش فيها. قال: وهذا أشد فسادًا من الأول، لكونه تحكمًا لا برهان عليه. والانتقاش من صفات الأجسام، وأكثر ما يجري في العالم العلويّ الأعراضُ، والأعراض لا ينتقش فيها. قاله في الفتح.
ولم أفهم معنى قوله: إن أكثر ما يجري في العالم العلوي الأعراضُ، لأن العالم العلوي فيه الأجسام التي هي أعظم من الأرض وما فيها. ثم قال: والصحيح ما عليه أهل السنة من أن الله يخلق في قلب النائم اعتقادات، كما يخلقها في قلب اليقظان. فإذا خلقها فكأنه جعلها علمًا على أمور أخرى يخلقها في ثاني الحال، وما وقع منها على خلاف المعتقد، فهو كما يقع لليقظان، ونظيره أن الله خلق الغيم علامة على المطر، وقد يتخلف. وتلك الاعتقادات تقع تارة بحضرة الملك فيقع بعدها ما يسر، أو بحضرة الشيطان، فيقع بعدها ما يضر.

الصفحة 478