كتاب الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق (اسم الجزء: 3)

مُسْلِمًا وَلَا يَسُبُّوهُ وَلَا يَسْتَخْدِمُوهُ وَلَا يُسْمِعُوا مُسْلِمًا شَيْئًا مِنْ كُفْرِهِمْ وَلَا يَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُظْهِرُوا خَمْرًا وَلَا نِكَاحَ ذَاتِ مَحْرَمٍ وَأَنْ يُسْكِنُوا الْمُسْلِمِينَ بَيْنَهُمْ فَمَتَى أَخَلُّوا بِوَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ اُخْتُلِفَ فِي نَقْضِ عَهْدِهِمْ وَقَتْلِهِمْ وَسَبْيِهِمْ وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَادَّةَ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يَرَوْا النَّقْضَ بِالْإِخْلَالِ بِأَحَدِ هَذِهِ الشُّرُوطِ كَيْفَ كَانَ بَلْ بَعْضُهَا يُوجِبُ النَّقْضَ وَبَعْضُهَا لَا يُوجِبُ وَقَدْ سَبَقَ إلَى خَاطِرِ الْفَقِيهِ أَنَّ الْمَشْرُوطَ شَأْنُهُ الِانْتِفَاءُ عِنْدَ انْتِفَاءِ أَحَدِ الشُّرُوطِ وَلَوْ كَانَ أَلْفَ شَرْطٍ إذَا عُدِمَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا يُفِيدُ حُضُورُ مَا عَدَاهُ كَمَا يَجِدُهُ فِي شَرَائِطِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا إنْ عُدِمَ شَرْطٌ وَاحِدٌ عُدِمَ جَمِيعُ الشُّرُوطِ فَلِذَلِكَ يَخْطِرُ لِضَعْفِهِ الْفُقَهَاءُ أَنَّ شُرُوطَ الْجِزْيَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ هُوَ الصَّوَابُ وَأَنَّ قَاعِدَةَ مَا يُوجِبُ النَّقْضَ مُخَالِفَةٌ لِقَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُهُ فَإِنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ عَاصِمٌ لِلدِّمَاءِ كَالْإِسْلَامِ.
وَقَدْ أَلْزَمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمَ جَمِيعَ التَّكَالِيفِ فِي عَقْدِ إسْلَامِهِ كَمَا أَلْزَمَ الذِّمِّيَّ جُمْلَةَ هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي عَقْدِ أَمَانَةٍ فَكَمَا انْقَسَمَ رَفْضُ التَّكَالِيفِ فِي الْإِسْلَامِ إلَى مَا يُنَافِي الْإِسْلَامَ وَيُبِيحُ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ كَرَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ وَانْتِهَاكِ حُرْمَةِ النُّبُوَّاتِ وَإِلَى مَا لَيْسَ مُنَافِيًا لِلْإِسْلَامِ وَهُوَ ضَرْبَانِ كَبَائِرُ تُوجِبُ التَّغْلِيظَ بِالْعُقُوبَةِ وَرَدِّ الشَّهَادَاتِ وَسَلْبِ أَهْلِيَّةِ الْوِلَايَةِ وَصَغَائِرُ تُوجِبُ التَّأْدِيبَ دُونَ التَّغْلِيظِ.
فَكَذَلِكَ عَقْدُ الْجِزْيَةِ تَنْقَسِمُ شُرُوطُهُ إلَى مَا يُنَافِيه كَالْقَتْلِ وَالْخُرُوجِ عَنْ أَحْكَامِ السُّلْطَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُنَافٍ لِلْأَمَانِ وَالتَّأْمِينِ وَهُمَا مَقْصُودُ الْعَقْدِ وَإِلَى مَا لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلْأَمَانِ وَالتَّأْمِينِ وَهُوَ عَظِيمُ الْمَفْسَدَةِ فَهُوَ كَالْكَبِيرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِسْلَامِ كَالْحِرَابَةِ وَالسَّرِقَةِ وَإِلَى مَا هُوَ كَالصَّغِيرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِسْلَامِ كَسَبِّ الْمُسْلِمِ وَإِظْهَارِ التَّرَفُّعِ عَلَيْهِ فَكَمَا أَنَّ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ لَا يُنَافِيَانِ الْإِسْلَامَ وَلَا يُبْطِلَانِ عِصْمَةَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ فَكَذَلِكَ لَا يُبْطِلَانِ عَقْدَ الْجِزْيَةِ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِمَا لَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَمْنِ وَالْأَمَانِ الْمَقْصُودَيْنِ مِنْ عَقْدِ الْجِزْيَةِ وَالْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَشْهُورَةُ فِي أَبْوَابِ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّهَا لَا تُبْطِلُ عَقْدًا مِنْ الْعُقُودِ إلَّا بِمَا يُنَافِي مَقْصُودَ ذَلِكَ الْعَقْدِ دُونَ مَا لَا يُنَافِي مَقْصُودَهُ وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ مُقَارَنَتِهِ مَعَهُ فَكَذَلِكَ هُنَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ عَقْدُ الْجِزْيَةِ إلَّا بِمَا تَقَدَّمَ وَنَحْوِهِ وَانْقَسَمَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي هِيَ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مُوجِبٌ لِمُنَافَاةِ عَقْدِ الذِّمَّةِ كَالْخُرُوجِ عَلَى السُّلْطَانِ وَنَبْذِ الْعَهْدِ وَالْقَتْلِ وَالْقِتَالِ بِمُفْرَدِهِمْ أَوْ مَعَ الْأَعْدَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْهَا مَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَافِيه كَتَرْكِ الزِّنَادِ وَرُكُوبِ الْخَيْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQذِمَّتِهِمْ بِمَا جَنَوْهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَصَرُّفِهِمْ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فَيَسْتَغْرِقُ مَا بِأَيْدِهِمْ مِمَّا اكْتَسَبُوهُ بَعْدَ الْوِلَايَةِ بَلْ وَقَبْلَهَا فَيَبْطُلُ وَقْفُ الْمُشْتَرِي بِالْقِبْلِيِّ أَيْضًا فِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إذَا تَأَخَّرَ إلَى اسْتِغْرَاقِ الذِّمَّةِ وَمِمَّا تُفَارِقُ بِهِ أَيْضًا أَوْقَافُ الْمُلُوكِ وَنَحْوِهِمْ غَيْرَهَا مِنْ الْأَوْقَافِ إنْ وَفَّرَهَا أَيْ مَا فَضَلَ مِنْهَا عَمَّا سَمَّوْهُ مِنْ الْمَصْرِفِ فَضْلًا بَيِّنًا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ صَرْفِهِ فِي مَصْلَحَةِ غَيْرِ مَا عَيَّنُوهُ وَلَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ فِي أَوْقَافِ الْأَحْبَاسِ كَمَا فِي جَوَابَيْ الْعَلَّامَةِ أَبِي عُثْمَانَ الْعُقْبَانِيِّ وَالْمُحَصِّلِ الْمُفْتِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقُورِيِّ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمِعْيَارِ.
اهـ وَقَالَ عبق وَفِي تت عِنْدَ قَوْلِهِ إنْ كَانَ عَلَى مَحْجُورِهِ عِنْدَ الذَّخِيرَةِ إنْ وَقَفُوا عَلَى مَدْرَسَةٍ أَكْثَرَ مِمَّا تَحْتَاجُ إلَيْهِ بَطَلَ فِيمَا زَادَ فَقَطْ لِأَنَّهُمْ مَعْزُولُونَ عَنْ التَّصَرُّفِ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ وَالزَّائِدُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ فَهُوَ مِنْ غَيْرِ مُتَوَلٍّ وَلَا يَنْفُذُ.
اهـ وَلِابْنِ وَهْبَانَ فِي مَنْظُومَتِهِ وَلَوْ وَقَفَ السُّلْطَانُ مِنْ بَيْتِ مَالِنَا بِالْمَصْلَحَةِ عَمَّتْ يَجُوزُ وَيُؤْجَرُ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ عبق عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ مَعَ الْبُنَانِيِّ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ صَحَّ وَقْفُ مَمْلُوكٍ وَإِنْ بِأُجْرَةٍ. الْفَرْقُ بَيْنَ أَرْصَادِ الْإِمَامِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ فِي كُتُبِنَا بِالْخُلُوِّ وَبَيْنَ وَقْفِهِ نِيَابَةً عَنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى جِهَةٍ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْخُلُوِّ مَمْلُوكَةٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ الْحُبْسُ بِهَا وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الْحُبْسُ بِأَصْلِهَا فَمَالِكُهَا كَمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ لِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ بِأُجْرَةٍ فَكَمَا يَجُوزُ تَحْبِيسُ مَالِك الْمَنْفَعَةِ بِأُجْرَةٍ لِلْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْإِجَارَاتِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ عَلَى أَنْ تُتَّخَذَ مَسْجِدًا عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا انْقَضَتْ كَانَ النَّقْضُ لِلَّذِي بَنَاهُ.
اهـ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْبِيدُ عِنْدَنَا كَذَلِكَ يَجُوزُ بِالْأَحْرَى لِمَالِكِ مَنْفَعَةِ الْخُلُوِّ تَحْبِيسُهَا لِكَوْنِهِ يَمْلِكُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ بِمِصْرَ فَلِذَا أَفْتَى بِصِحَّتِهِ جَمْعٌ مِنْهُمْ شَيْخُ عج وَالشَّيْخُ أَحْمَدُ السَّنْهُورِيُّ وَأَفْتَى النَّاصِرُ بِجَوَازِ بَيْعِ الْخُلُوِّ فِي الدَّيْنِ وَارِثُهُ وَرُجُوعُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ حَيْثُ لَا وَارِثَ وَمَا أَبْدَاهُ عج مِنْ الْفُرُوقِ بَيْنَ مَنْفَعَةِ الْخُلُوِّ وَمَنْفَعَةِ الْإِجَارَةِ بِمَسَائِلَ فَجَمِيعُهَا لَا يَصِحُّ

الصفحة 12