كتاب الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق (اسم الجزء: 3)

إلَّا أَنَّهَا فِيهَا مِلْكٌ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ بِخِلَافِ مَا يُطْلَقُ مِنْ الْجَامَكِيَّاتِ فَإِنَّ الْمَالِكَ فِيهَا يَحْصُلُ لِمَنْ حَصَلَ لَهُ شَرْطُ الْوَاقِفِ فَلَا جَرَمَ صَحَّ أَخْذُ الْعَرْضِ بِهَا أَوْ عَنْهَا (فَإِنْ، قُلْت) إذَا اتَّضَحَ حَدُّ الْمِلْك فَهَلْ هُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَوْ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ (قُلْت) الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ مِنْ أَحَدِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَهُوَ إبَاحَةٌ خَاصَّةً فِي تَصَرُّفَاتٍ خَاصَّةٍ، وَأَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ ذَلِكَ الْمَمْلُوكِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSكَانَتْ مَأْذُونًا فِيهَا فَمَنْ أَذِنَ فَتَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَهُوَ مَالِكٌ لِلِانْتِفَاعِ قَالَ (لَا أَنَّهَا فِيهَا مِلْكٌ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ) قُلْت أَمَّا الِانْتِفَاعُ فَفِيهِ الْمِلْكُ لِغَيْرِ الْوَاقِف وَهُوَ مَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْوَقْفِ، وَأَمَّا عَيْنُ الْمَوْقُوفِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا مَالِكَ عَلَيْهِ لَا لِلْوَاقِفِ وَلَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ وَلَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَلَا مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهَا وَإِذْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا مِلْكَ إذْ لَا مَعْنَى لِلْمِلْكِ إلَّا التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ مِنْ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً.
قَالَ (بِخِلَافِ مَا يُطْلَقُ مِنْ الْجَامَكِيَّاتِ إلَى قَوْلِهِ صَحَّ أَخْذُ الْعِوَضِ بِهَا أَوْ عَنْهَا) قُلْت إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْوَقْفِ إنْ كَانَ سُكْنَى الْمَوْضِعِ الْمَوْقُوفِ فَلَا يَتَعَدَّى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَوَّغْ لَهُ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِغْلَالُ فَالْعِلَّةُ مُسَوَّغَةٌ بِعَيْنِهَا فَيَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا.
قَالَ (فَإِنْ، قُلْت إذَا اتَّضَحَ حَدُّ الْمِلْكِ فَهَلْ هُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَوْ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ إلَى قَوْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهُوَ بَعِيدٌ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ وَالْمَاضِي مَجَازٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ وَالْمُسْتَقْبَلِ وَقَوْمٌ إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ فَقَطْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
ثُمَّ إنَّهُ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ مُطْلَقًا أَمْ إذَا رُكِّبَ مَعَ غَيْرِهِ أَمْ إذَا كَانَ مَحْمُولًا ذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ إذَا عَمِلَ النَّصْبَ فَقَطْ، وَآخَرُونَ فَرَّقُوا بَيْنَ الْأَعْرَاضِ السَّيَّالَةِ وَالْقَارَّةِ وَفَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ صِفَاتِ اللَّهِ وَغَيْرِهَا اهـ كَمَا فِي حَاشِيَةِ كَنُونٍ عَلَى عبق قَالَ وَعَلَى قَوْلِهِ أَمْ إذَا كَانَ مَحْمُولًا يَأْتِي مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْخَطِيبِ فِي الْإِحَالَةِ وَالسُّودَانِيُّ فِي نَيْلِ الِابْتِهَاجِ وَالْمُقْرِي فِي نَفْحِ الطِّيبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِي قَالَ شَهِدْت مَجْلِسًا بَيْنَ يَدَيْ السُّلْطَانِ ابْنِ تَاشِفِينَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُوسَى بْنِ حَمُّو سُلْطَانِ تِلِمْسَانَ الَّذِي اسْتَوْلَى عَلَى مِلْكِهِ أَبُو الْحَسَنِ الْمَرِينِيُّ بَعْدَ قَتْلِهِ قَرَأَ عَلَى أَبِي زَيْدٍ ابْنِ الْإِمَامِ حَدِيثَ مُسْلِمٍ «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ» إلَخْ فَقَالَ لَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقُ بْنُ حَكَمٍ السَّلْوَى هَذَا الْمُلَقَّنُ مُحْتَضَرٌ حَقِيقَةً مَيِّتٌ مَجَازًا فَمَا وَجْهُ تَرْكِ مُحْتَضَرِيكُمْ إلَى مَوْتَاكُمْ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ فَأَجَابَهُ أَبُو زَيْدٍ بِجَوَابٍ لَمْ يُقْنِعْهُ وَكُنْت قَرَأْت عَلَى الْأُسْتَاذِ بَعْضَ التَّنْقِيحِ فَقُلْت زَعَمَ الْقَرَافِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ مَجَازًا فِي الِاسْتِقْبَالِ مُخْتَلَفًا فِيهِ فِي الْمَاضِي إذَا كَانَ مَحْكُومًا بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ كَمَا هُنَا فَهُوَ حَقِيقَةٌ مُطْلَقًا إجْمَاعًا وَعَلَى هَذَا لَا مَجَازَ فَلَا سُؤَالَ لَا يُقَالُ إنَّهُ احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ وَهُوَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي لَا يُطَالَبُ مُدَّعِيهَا بِالدَّلِيلِ كَمَا ذَكَرَهُ أَيْضًا، بَلْ نَقُولُ إنَّهُ أَسَاءَ حَيْثُ احْتَجَّ فِي مَوْضِعِ الْوِفَاقِ كَمَا أَسَاءَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا، بَلْ هَذَا أَشْنَعُ لِكَوْنِهِ مِمَّا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.
ثُمَّ إنَّا لَوْ سَلَّمْنَا نَفْيَ الْإِجْمَاعِ فَلَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى ظُهُورِ الْعَلَامَاتِ الَّتِي يَعْقُبُهَا الْمَوْتُ عَادَةً؛ لِأَنَّ تَلْقِينَهُ قَبْلَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يُدْهِشْ فَهُوَ يُوحِشُ فَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى وَقْتِ التَّلْقِينِ أَيْ لَقِّنُوا مَنْ تَحْكُمُونَ بِأَنَّهُ مَيِّتٌ أَوْ نَقُولَ إنَّمَا عَدَلَ عَنْ الِاحْتِضَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِبْهَامِ أَلَا تَرَى إلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ هَلْ أُخِذَ مِنْ حُضُورِ الْمَلَائِكَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ حَالَةٌ خَفِيَّةٌ نَحْتَاجُ فِي نَصْبِهَا دَلِيلَ الْحُكْمِ إلَى وَصْفٍ ظَاهِرٍ يَضْبِطُهَا وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ مِنْ حُضُورِ الْمَوْتِ وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِنَفْسِهِ، بَلْ بِالْعَلَامَاتِ، فَلَمَّا وَجَبَ اعْتِبَارُهَا وَجَبَ كَوْنُ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ إشَارَةً إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
وَذَكَرَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ أَيْضًا فِي نَوَازِلِ الْجَنَائِزِ مِنْ الْمِعْيَارِ وَزَادَ مَا نَصُّهُ: وَقَالَ سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مق لَعَلَّهُ مِنْ الْإِيمَاءِ إلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ وَالْإِشَارَةِ إلَى وَقْتِ نَفْعِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ النَّفْعَ التَّامَّ وَهُوَ الْمَوْتُ عَلَيْهَا لَا حَالَ الْحَيَاةِ مِنْ احْتِضَارٍ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ لَقِّنُوهُمْ إيَّاهَا لِيَمُوتُوا عَلَيْهَا وَتَنْفَعُ، وَمِثْلُهُ وَلَا تَمُوتُونَ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أَيْ دُومُوا عَلَيْهِ لِتَمُوتُوا عَلَيْهِ فَيَتِمَّ نَفْعُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.
انْتَهَى كَلَامُ كنون بِلَفْظِهِ وَإِنْ أَرَادَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَرَدَ أَنَّ الْمُرَادَ حَالُ التَّلَبُّسِ لَا حَالُ النُّطْقِ كَمَا زَعَمَ الْقَرَافِيُّ فَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ فِي كَوْنِ الْمُشْتَقِّ حَقِيقَةً إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَآخِرُ جُزْءٍ وَثَالِثُهَا الْوَقْفُ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ اسْمُ الْفَاعِلِ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ أَيْ حَالِ التَّلَبُّسِ لَا النُّطْقِ خِلَافًا لِلْقَرَافِيِّ اهـ. كَمَا فِي حَاشِيَةِ كنون عَلَى عبق وَلَا شَكَّ أَنَّ حَالَ تَلَبُّسِهَا بِالطَّلَاقِ وَالْحُرِّيَّةِ هُوَ الزَّمَنُ الْمَاضِي الَّذِي أَنْشَأَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِيهِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا الْحَامِلُ عَلَى تَكَلُّفِ تَقْدِيرِهِ كَوْنَ الْقَوْلِ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ بِقَرِينَةِ حَالِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْقَوْلِ الثَّانِي تَأْكِيدَ الْإِنْشَاءِ لِعِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ لَكَمُلَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ بِذَلِكَ الْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَبَيَّنَ بِالْقَرَائِنِ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ خَبَرٌ عَنْ أَنَّهُ كَانَ

الصفحة 215