كتاب الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق (اسم الجزء: 3)

«لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» فَجَعَلَ الْجَمِيعَ عَلَى الْمَنْعِ إلَّا فِي حَالَةِ الْمُمَاثَلَةِ وَهَذِهِ الْحَالَةُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فَوَجَبَ بَقَاؤُهَا مِنْ الْمَنْعِ (فَإِنْ قُلْت) ظَاهِرُ حَالِ الْمُسْلِمِينَ يَقْتَضِي الظَّنَّ بِحُصُولِ الْمُمَاثَلَةِ وَالظَّنُّ كَافٍ فِي ذَلِكَ كَالطَّهَارَاتِ وَغَيْرِهَا (قُلْت) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الظَّنَّ يَكْفِي فِي الْمُمَاثَلَةِ فِي بَابِ الرِّبَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِشَهَادَةِ الْمِيزَانِ وَالْمِكْيَالِ وَبَابُ الرِّبَا أَضْيَقُ مِنْ بَابِ الطَّهَارَةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ.

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَعَيَّنُ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُقُودَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) يُرَدُّ عَلَى الذِّمَمِ، فَيَكُونُ مُتَعَلِّقُهُ الْأَجْنَاسَ الْكُلِّيَّةَ دُونَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَعَيَّنُ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّوَايَةَ تُرَاعِي وَجْهَ كَوْنِهِ كَالْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ فَقَطْ فَتُوجِبُ زَكَاةَ قِيمَتِهِ عَلَى الْمُدِيرِ وَزَكَاةَ ثَمَنِهِ عَلَى الْمُحْتَكِرِ وَتُرَاعِي وَجْهَ كَوْنِهِ كَالْعَيْنِ وَالنَّقْدِ فِي الرِّبَا بِنَوْعَيْهِ وَالصَّرْفُ فَتُكْرَهُ فِيهِ تَنْزِيهًا الرِّبَا بِنَوْعَيْهِ، وَتُسْتَحَبُّ فِيهِ شُرُوطُ الصَّرْفِ لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الرِّبَوِيِّ لَا رِبَوِيًّا صَرْفًا وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَإِنْ كَانَا فِيهِمَا مُرَاعَاةُ الْجِهَتَيْنِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْأَحْنَافَ رَاعُوا فِي الزَّكَاةِ جِهَةَ كَوْنِهِ كَالْعَيْنِ فَأَوْجَبُوا فِي قِيمَتِهِ الزَّكَاةَ فِي الرِّبَا بِنَوْعَيْهِ وَالصَّرْفُ جِهَةُ كَوْنِهِ كَالْعَرْضِ فَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي بَيْعِهِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ شُرُوطَ الصَّرْفِ وَأَجَازُوا فِيهِ الرِّبَا بِنَوْعَيْهِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ رَاعَى جِهَةَ كَوْنِهِ كَالْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ وَرِبَا الْفَضْلِ فَأَوْجَبَ زَكَاتَهُ عَلَى التَّاجِرِ مُطْلَقًا وَأَجَازَ فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ وَرَاعَى جِهَةَ كَوْنِهِ كَالْعَيْنِ وَالنَّقْدِ فِي الصَّرْفِ وَرِبَا النَّسَاءِ فَشُرِطَ فِي صَرْفِهِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ شُرُوطُ الصَّرْفِ وَمُنِعَ فِيهِ رِبَا النَّسَاءِ اُنْظُرْ رِسَالَتَيْ شَمْسِ الْإِشْرَاقِ فِي حُكْمِ التَّعَامُلِ بِالْأَوْرَاقِ هَذَا، وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الشَّاطِّ الَّذِي يُقَوِّي عِنْدِي مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَيْ بِأَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ بِالشَّخْصِ عَلَى قَاعِدَةِ الْمُشَخَّصَاتِ وَأَقْوَى حُجَجِهِ قِيَاسُ النَّقْدَيْنِ عَلَى ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ ذَوَاتَ الْأَمْثَالِ مَقَاصِدُ وَالنَّقْدَيْنِ وَسَائِلُ لَيْسَ بِفَرْقٍ يَقْدَحُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ قَالَ وَمَا.
قَالَهُ الشِّهَابُ فِي فَرْعِ الْغَاصِبِ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ لُزُومُ رَدِّ الدِّينَارِ الْمَغْصُوبِ بِعَيْنِهِ مَا دَامَ قَائِمًا أَمَّا إذَا فَاتَ فَلَهُ رَدُّ غَيْرِهِ وَكُلُّ مَا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَهُ فَهُوَ عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الدِّينَارَ الَّذِي فِي يَدِ الْإِنْسَانِ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ أَوْ بِأَخْذِهِ عِوَضًا عَنْ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَانَتْ مِلْكُهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ مِنْ أَشْنَعِ قَوْلٍ يُسْمَعُ وَأَفْحَشِ مَذْهَبٍ بِبُطْلَانِهِ يُقْطَعُ وَلَمَّا كَانَتْ
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى عَدَمِ تَعَيُّنِ النَّقْدَيْنِ بِالتَّعْيِينِ أُشْكِلَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الصَّرْفِ وَالْكِرَاءِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ الْأَصْلَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا إشْكَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ]
(الْفَرْقُ التِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ)
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَلَا يَجُوزُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهَا التَّفَاضُلُ وَلَا النَّسَاءُ بِإِجْمَاعِهِمْ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - كَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَ مَا ذُكِرَ مُتَفَاضِلًا وَمَنَعُوهُ نَسِيئَةً فَقَطْ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ مَا.
رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ» وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ظَاهِرُهُ حَصْرُ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ فِي النَّسِيئَةِ فَلَا يَحْرُمُ الْفَضْلُ.
وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرَّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي هِيَ نَصٌّ فِيمَا قَالُوهُ كَحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ الشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَإِلَّا هَاءَ» فَتَضَمَّنَ حَدِيثُ عُبَادَةَ مَعَ التَّفَاضُلِ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ وَإِبَاحَتِهِ فِي الصِّنْفَيْنِ، وَمَنْعُ النَّسَاءِ فِي الصِّنْفَيْنِ وَتَضَمَّنَ حَدِيثُ عُمَرَ مَنْعَ النَّسِيئَةِ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَكَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي. رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئًا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» وَهُوَ مِنْ أَصَحِّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ يَتَضَمَّنُ مَنْعَ التَّفَاضُلِ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْ النَّقْدَيْنِ، وَمَنْعَ النَّسِيئَةِ مُطْلَقًا أَيْ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا وَفِي الصِّنْفَيْنِ وَلَمْ يَأْخُذُوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِوَجْهَيْنِ
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّهُ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِيهِ لَفْظَانِ
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ، وَهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إجَازَةُ التَّفَاضُلِ إلَّا مِنْ بَابِ دَلِيلِ الْخِطَابِ

الصفحة 253