كتاب الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق (اسم الجزء: 3)

أَشْخَاصِهَا فَيَحْصُلُ الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَاهَا بِأَيِّ فَرْدٍ كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَإِنْ دَفَعَ فَرْدًا مِنْهُ فَظَهَرَ مُخَالَفَتُهُ لِلْعَقْدِ رَجَعَ بِفَرْدٍ غَيْرِهِ وَتَبَيَّنَّا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بَاقٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى الْآنَ حَتَّى يُقْبَضَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَرْدٌ مُطَابِقٌ لِلْعَقْدِ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَبِيعٌ مُشَخَّصُ الْجِنْسِ فَهَذَا مُعَيَّنٌ وَخَاصَّتُهُ أَنَّهُ إذَا فَاتَ ذَلِكَ الْمُشَخَّصُ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ اتِّفَاقًا وَاسْتُثْنِيَ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSإلَى آخِرِ الْقِسْمِ) مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا قَوْلُهُ، فَيَكُونُ مُتَعَلِّقُهُ الْأَجْنَاسَ الْكُلِّيَّةَ دُونَ أَشْخَاصِهَا فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ ظَاهِرَ لَفْظِهِ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ مُتَعَلِّقُهُ أَشْخَاصٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكُلِّيِّ وَلِذَلِكَ صَحَّ الْوَفَاءُ بِأَيِّ فَرْدٍ كَانَ إذَا وَافَقَ الصِّفَاتِ الْمُشْتَرَطَةَ قَالَ
(الْقِسْمُ الثَّانِي مَبِيعٌ مُشَخَّصُ الْجِنْسِ إلَى قَوْلِهِ وَفِي الْفَرْقِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ) قُلْت الَّذِي يَقْوَى عِنْدِي مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَقْوَى حُجَجِهِ قِيَاسُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَا سِيَّمَا إذَا عَارَضَهُ النَّصُّ
(وَثَانِيهمَا) أَنَّهُ قَالَ لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ، وَهَذَا وَإِنْ اقْتَضَى ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا عَدَا النَّسِيئَةَ، فَلَيْسَ بِرِبًا لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ الْوَاقِعُ فِي الْأَكْثَرِ وَالنَّصُّ إذَا عَارَضَهُ الْمُحْتَمَلُ وَجَبَ تَأْوِيلُ الْمُحْتَمَلِ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا
(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ نَصٌّ عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الرِّبَا لَكِنَّهُ قَوْلٌ بِالْمُوجِبِ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ السَّبَبِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «سُئِلَ عَنْ مُبَادَلَةِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ فَقَالَ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَلَا يَحْرُمُ مَا ذَكَرْتُمْ إلَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ» فَسَمِعَ الرَّاوِي الْجَوَابَ دُونَ السُّؤَالِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ هَذَا فَالْقَاعِدَةُ فِي أُصُولِ الْفَقِيهِ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْأَزْمِنَةِ وَالْأَحْوَالِ وَالْبِقَاعِ وَالْمُتَعَلِّقَاتِ فَهَذَا عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الرِّبَا مُطْلَقٌ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ فَيُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالْمُطْلَقُ إذَا عُمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهِ فِيمَا عَدَاهَا وَجَوَازُ التَّفَاضُلِ فِي الصِّنْفَيْنِ مِنْ تِلْكَ السِّتَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَّا الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ كَامْتِنَاعِ النَّسَاءِ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ فَقَطْ اتَّفَقَتْ الْأَصْنَافُ أَوْ اخْتَلَفَتْ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ أَنَّهُ قَالَ إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ جَازَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسِيئَةُ مَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى هَذِهِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ أَهْلُ الظَّاهِرِ النَّسَاءُ مُمْتَنِعٌ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ فَقَطْ اتَّفَقَتْ الْأَصْنَافُ أَوْ اخْتَلَفَتْ كَالتَّفَاضُلِ فِي صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ السِّتَّةِ فَقَطْ وَلَا يَمْتَنِعُ التَّفَاضُلُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِمَّا عَدَّهَا كَالنَّسَاءِ مُطْلَقًا نَظَرًا إلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُتَعَلِّقَ بِأَعْيَانِ هَذِهِ السِّتَّةِ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُتَعَلِّقَ بِأَعْيَانِ هَذِهِ السِّتَّةِ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الْعَامِّ الَّذِي وَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَصْنَافِ مِنْ جِهَتَيْنِ
(الْجِهَةُ الْأُولَى) جِهَةُ مَفْهُومِ عِلَّةِ مَنْعِ التَّفَاضُلِ فَقَدْ حَكَى الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ عَشَرَةَ مَذَاهِبَ خَمْسَةٌ مِنْهَا خَارِجُ مَذْهَبِنَا
(أَحَدُهُمَا) تَعْلِيلُهُ بِالْجِنْسِ لِابْنِ سِيرِينَ قَالَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ هُوَ الضَّابِطُ وَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِ رِبَا الْفَضْلِ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي جِنْسٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَانَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ لِذِكْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَجْنَاسًا لَا تَجْمَعُهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَلَمْ تَبْقَ إلَّا الْجِنْسِيَّةُ؛ وَلِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي الْمُقَابَلَةَ وَفِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ يَكُونُ الزَّائِدُ لَا مُقَابِلَ لَهُ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مُوجِبُ الْعَقْدِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَا يُفِيدُ مَقْصُودُهُ يَبْطُلُ (وَيُرَدُّ) عَلَيْهِ أَوْ لَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَاجَرَ إلَيْهِ عَبْدٌ فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ مِنْ سَيِّدِهِ» وَقَضَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةِ الْأَسْمَاءِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْجِنْسِيَّةَ لَكَانَ اللَّائِقُ بِفَصَاحَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ لَا تَبِيعُوا جِنْسًا وَاحِدًا بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَثَانِيًا أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَتْبَعُ غَرَضَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَقَدْ يَقْصِدُ جَعَلَ قُبَالَهُ الْجُمْلَةَ فَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ الْمُقَابَلَةِ
(وَثَانِيهَا) تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ زَكَوِيًّا لِرَبِيعَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ الضَّابِطُ وَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِ رِبَا الْفَضْلِ هُوَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا يُبَاعُ بَعِيرٌ بِبَعِيرٍ (وَيُرَدُّ عَلَيْهِ) وُرُودُ النَّصِّ فِي الْمِلْحِ، وَلَيْسَ بِزَكَوِيٍّ
(وَثَالِثُهَا) تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقَدِيمِ قَالَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ السِّتَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ وَالْحُكْمِ الْمُشْتَرِكُ تَكُونُ عِلَّتُهُ مُشْتَرِكَةً
(وَرَابِعًا) تَعْلِيلُهُ بِالطَّعَامِ لِلْآدَمِيِّ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَدِيدِ قَالَ فَيُمْنَعُ التَّفَاضُلُ فِيمَا كَانَ قُوتًا أَوْ إدَامًا أَوْ فَاكِهَةً أَوْ دَوَاءً لِلْآدَمِيِّينَ دُونَ مَا تَأْكُلُهُ الْبَهَائِمُ فَإِنْ أَكَلَهُ الْآدَمِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ رُوعِيَ الْأَغْلَبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامًا لِلْآدَمِيِّينَ كَالْوَرْدِ وَالرَّيَاحِينِ وَنَوَى التَّمْرَ لَمْ يَدْخُلْهُ الرِّبَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» حَيْثُ رَتَّبَ مَنْعَ التَّفَاضُلِ عَلَى اسْمِ الطَّعَامِ وَالْقَاعِدَةُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَصْفَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ نَحْوَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة: 38] .
(وَيُرَدُّ عَلَيْهِ) فِيهَا أَنَّهُ أَهْمَلَ أَفْضَلَ أَوْصَافِ الِاشْتِرَاكِ وَهُوَ الِاقْتِيَاتُ وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ كَمَا سَيَتَّضِحُ
2 -
(وَخَامِسُهَا) تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَلَوْ تُرَابًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ مَكِيلَاتٌ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَمِثْلُهُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ

الصفحة 254