كتاب الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق (اسم الجزء: 3)

الْهِبَةِ فِي الْأَبِ لِلِابْنِ بِالِاعْتِصَارِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَاللِّعَانِ وَالْكِتَابَةِ وَالطَّلَاقِ بِأَنْ يَقُولَ طَلَّقْت امْرَأَتِي مَتَى شِئْت فَيَمُوتُ الْمَقُولُ لَهُ وَسَلَّمَ الشَّافِعِيُّ جَمِيعَ مَا سَلَّمْنَاهُ وَسَلَّمَ خِيَارَ الْإِقَالَةِ وَالْقَبُولِ وَمَدَارِكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ عِنْدَنَا صِفَةٌ لِلْعَقْدِ فَيَنْتَقِلُ مَعَ الْعَقْدِ فَإِنَّ آثَارَ الْعَقْدِ انْتَقَلَتْ لِلْوَارِثِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ صِفَةٌ لِلْعَاقِدِ؛ لِأَنَّهَا مَشِيئَتُهُ وَاخْتِيَارُهُ فَتَبْطُلُ بِمَوْتِهِ كَمَا تَبْطُلُ سَائِرُ صِفَاتِهِ؛ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الثَّمَنِ لَا يُورَثُ فَكَذَلِكَ فِي الْخِيَارِ؛ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ رَضِيَ بِخِيَارٍ وَاحِدٍ وَأَنْتُمْ تُثْبِتُونَهُ لِجَمَاعَةٍ لَمْ يَرْضَ بِهِمْ وَهُمْ الْوَرَثَةُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى الْخِيَارُ مَنْ اُشْتُرِطَ لَهُ كَمَا لَا يَتَعَدَّى الْأَجَلُ مَنْ اُشْتُرِطَ لَهُ.
(وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّ اخْتِيَارَهُ صِفَتُهُ، وَلَكِنْ صِفَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالِ فَيَنْتَقِلُ كَاخْتِيَارِهِ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَأَنْوَاعَ الِانْتِفَاعِ فِي الْمَالِ فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَنْتَقِلُ تَبَعًا لِلْمَالِ (وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ الْأَجَلَ مَعْنَاهُ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ، وَالْوَارِثُ لَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ لَا جَرَمَ لِمَا انْتَقَلَ الدَّيْنُ لِلْوَارِثِ انْتَقَلَ مُؤَجَّلًا، وَكَذَلِكَ هَا هُنَا تَنْتَقِلُ الصِّفَةُ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَوْصُوفُ فَهَذَا لَنَا لَا عَلَيْنَا (وَعَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ قَالَ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَلَوْ كَانَ الِافْتِدَاءُ طَلَاقًا لَكَانَ الطَّلَاقُ الَّذِي لَا تَحِلُّ لَهُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ هُوَ الطَّلَاقُ الرَّابِعُ، وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ إنَّ الْفُسُوخَ تَقَعُ بِالتَّرَاضِي قِيَاسًا عَلَى فُسُوخِ الْبَيْعِ أَعْنِي الْإِقَالَةَ، وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ أَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا تَضَمَّنَتْ حُكْمَ الِافْتِدَاءِ عَلَى أَنَّهُ شَيْءٌ يَلْحَقُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الطَّلَاقِ لَا أَنَّهُ شَيْءٌ غَيْرُ الطَّلَاقِ فَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ هَلْ اقْتِرَانُ الْعِوَضِ بِهَذِهِ الْفُرْقَةِ يُخْرِجُهَا مِنْ نَوْعِ فُرْقَةِ الطَّلَاقِ إلَى نَوْعِ فُرْقَةِ الْفَسْخِ أَمْ لَيْسَ يُخْرِجُهَا اهـ. كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْوَجْهَ عَدَمُ الْإِخْرَاجِ إذْ الْإِخْرَاجُ يُنَافِي الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِهِ بِغَيْرِ الصَّدَاقِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَقَاعِدَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ]
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَقَاعِدَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ)
أَمَّا عِنْدَ مَنْ قَالَ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ كَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَحَكَاهُ أَبُو الطَّاهِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مِنَّا فَهُوَ أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ مِنْ خَوَاصِّ عَقْدِ الْبَيْعِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالْإِجَارَةِ وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَالصُّلْحِ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الْحَقِّ وَهُوَ حَطِيطَةٌ لَا بَيْعٌ وَكَالْقِسْمَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ وَمِنْ اللَّوَازِمِ لَهُ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَخِيَارُ الشَّرْطِ عَارِضٌ يَحْصُلُ عِنْدَ اشْتِرَاطِهِ وَيُنْفَى عِنْدَ انْتِفَاءِ الِاشْتِرَاطِ.
وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَهُوَ إنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْغَرَرِ وَمُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ وَالْأَدِلَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَخِيَارُ الشَّرْطِ لَيْسَ كَذَلِكَ أَمَّا اشْتِمَالُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَلَى الْغَرَرِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْ الْأَعْوَاضِ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَقَعُ إلَّا لِحَاجَةٍ إذْ الْعُقُودُ أَسْبَابٌ لِتَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْأَصْلُ تَرْتِيبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا حَتَّى تَنْدَفِعَ بِذَلِكَ الْحَاجَةُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَنْدَفِعُ بِالتَّخْيِيرِ وَلِلُزُومِ ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إذْ لَا يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فَيَحْصُلُ الْغَرَرُ وَلَا تَنْدَفِعُ الْحَاجَةُ فَافْهَمْ.
وَأَمَّا اشْتِمَالُهُ عَلَى مُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ وَالْأَدِلَّةِ فَهُوَ أَنَّ مَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بِبَيْعِ الْخِيَارِ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ» وَإِنْ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ، وَمَنْ وَافَقَهُ بِظَاهِرِهِ عَلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إلَّا أَنَّ مُقْتَضَى الْبِنَاءِ عَلَى ثَلَاثِ قَوَاعِدَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَكْسُ مَا تَدَّعِيهِ الشَّافِعِيَّةُ
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ مَجَازٌ إذَا مَضَى مَعْنَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَصْفَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ نَحْوُ اُقْتُلُوا الْكَافِرَ وَارْجُمُوا الزَّانِيَ وَاقْطَعُوا السَّارِقَ وَنَحْوَهَا فَإِنَّ تَرْتِيبَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَوْصَافَ الْمُتَقَدِّمَةَ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمَعْلُومِ فَعَدَمُ الْإِسْكَارِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ الْكُفْرِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ إبَاحَةِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَعَدَمُ الْإِسْلَامِ فِي الرِّدَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ وَهُوَ كَثِيرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ حَقِيقَةٌ فِي حَالَةِ الْمُلَابَسَةِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَوَصْفُ الْمُبَايَعَةِ هُوَ عِلَّةُ عَدَمِ الْخِيَارِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا انْقَطَعَتْ أَصْوَاتُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ انْقَطَعَتْ الْمُبَايَعَةُ فَتَكُونُ الْعِلَّةُ قَدْ عُدِمَتْ فَيُعْدَمُ الْخِيَار الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا فَلَا يَبْقَى خِيَارٌ بَعْدَهَا عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ عَلَى أَنَّ لَنَا عَشَرَةَ أَوْجُهٍ تَسْقُطُ دَلَالَةُ الْخَبَرِ عَلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) حَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَفَاعِلَيْنِ بِالْبَيْعِ أَيْ الْمُتَسَاوِمَيْنِ مَجَازًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَوَاعِدَ كَمَا دَلَّتْ عَلَى عَدَمِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى تَعَيُّنِ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الْخِيَارَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيَنْقَطِعُ بَعْدَهَا وَيَكُونُ الِافْتِرَاقُ الْأَقْوَالَ مَجَازًا أَيْضًا
(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ أَحَدَ الْمَجَازَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَازِمٌ فِي الْحَدِيثِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا لَمْ يُحْمَلَا عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الْمَذْكُورِ، بَلْ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ حَالَةُ الْمُبَايَعَةِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ

الصفحة 278