كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 3)

«وما» في قوله: مَا مَنَعَكَ استفهام على جِهَةِ التوبيخ والتقريع، و «لا» في قوله:
أَلَّا تَسْجُدَ قيل: هي زائدة، والمعنى: ما مَنَعَكَ أن تَسْجُدَ، وكذلك قال أبو حَيَّان «1» :
إنها زائدة «2» ، كهي في قوله تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ [الحديد: 29] .
قال: ويدلُّ على زيادتها سُقُوطها في قوله تعالى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ [ص: 75] في «ص» انتهى. وجواب إبليس اللعين ليس بمُطابق لما سئل عنه، لكن [لما] جاء بِكَلاَمٍ يتضمن الجَوَابَ والحجة، فكأنه قال: منعني فَضْلِي عليه، إذ أنا خير منه، وظن إبليس أن النار أَفْضَلُ من الطين، وليس كذلك بل هما في دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ من حيث إنهما جَمَادٌ مخلوق، ولما ظن إبليس أن صُعُودَ النار، وَخِفَّتَهَا يقتضي فَضْلاً على سُكُونِ الطين وبلادته، قَاسَ أن ما خُلِقَ منها أَفْضَلُ مما خُلِقَ من الطين، فأخطأ قياسه، وذهب عليه أن الروح الذي نُفِخَ في آدم ليس من الطِّين.
وقال الطبري «3» : ذهب عليه ما في النَّارِ من الطَّيْشِ، والخِفَّةِ، والاضطراب، وفي الطين من الوَقَارِ، والأَنَاةِ والحِلْمِ، والتثبت وروي عن الحسن، وابن سيرين أنهما قالا: أول مَنْ قَاسَ إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالقِيَاس «4» ، وهذا القَوْلُ منهما ليس هو بإنكار للقياس «5» . وإنما خرّج كلاهما نَهْياً عما كان في زمانهما من مَقَايِيسِ الخوارج
__________
(1) ينظر: «البحر المحيط» (4/ 273) .
(2) ذكره ابن عطية (2/ 378) ، ولم يعزه لأحد.
(3) ينظر: «تفسير الطبري» (5/ 440) .
(4) أخرجه الطبري (5/ 441) ، برقم: (14360) ، وبرقم: (14361) ، بلفظ: «قاس إبليس، وهو أول من قاس» ، وذكره ابن عطية (3/ 379) ، والبغوي (2/ 150) ، وذكره ابن كثير (2/ 203) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (3/ 134) عن الحسن نحوه.
(5) ينظر: الكلام على القياس في:
«البرهان» لإمام الحرمين (2/ 743) ، «البحر المحيط» للزركشي (5/ 5) ، «الإحكام في أصول الأحكام للآمدي» (3/ 167) ، «سلاسل الذهب» للزركشي ص: (364) ، «التمهيد» للأسنوي ص: (463) ، «نهاية السول» له (4/ 2) ، «زوائد الأصول» له ص: (374) ، «منهاج العقول» للبدخشي (3/ 3) ، «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري ص: (211) ، «التحصيل من المحصول» للأرموي (2/ 155) ، «المنخول» للغزالي ص: (323) ، «المستصفى» له (2/ 228) ، «حاشية البناني» (2/ 202) ، «الإبهاج» لابن السبكي (3/ 3) ، «الآيات البينات» لابن قاسم العبادي (4/ 2) ، «حاشية العطار على جمع الجوامع» (2/ 239) ، «المعتمد» لأبي الحسين (2/ 195) ، «إحكام الفصول من أحكام الأصول» للباجي ص:
(528) ، «الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم (7/ 368) ، (8/ 487) ، «أعلام الموقعين» لابن القيم (1/ 101) ، «التحرير» لابن الهمام ص: (415) ، «تيسير التحرير» لأمير باد شاه (3/ 263) «التقرير والتحبير» لابن أمير الحاج (3/ 117) . [.....]

الصفحة 11