كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 3)

وغيرهم، فأرادا حمل الناس على الجَادَّةِ.
وقوله سبحانه: فَاهْبِطْ مِنْها الآية: يظهر منه أنه أهبط أولاً، وأخرج من الجَنَّةِ، وصار في السماء لأن الأخبار تَظَاَهَرَتْ أنه أغوى آدم وحواء من خارج الجَنَّة، ثم أُمِرَ آخراً بالهُبُوطِ من السماء مع آدم، وحواء، والحية. وقوله: إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ حكم عليه بضدِّ معصيته التي عصى بها، وهي الكبرياء، فعوقب بالحمل عليه، بخلاف شهوته، وأمله والصَّغَارُ: الذل قاله السدي.
ومعنى: أَنْظِرْنِي أخِّرْنِي «1» فَأَعْطَاهُ اللَّه النَّظِرَةَ إلى النفخة الأولى. قاله/ أكثر الناس «2» وهو الأصح والأشهر في الشَّرْع.
وقوله: فَبِما يريد به القَسَمَ، كقوله في الآية الأخرى: فَبِعِزَّتِكَ [ص: 82] وأَغْوَيْتَنِي قال الجمهور: معناه: أضللتني من الغيِّ، وعلى هذا المعنى قال محمد بن كَعْبٍ القرظي: قاتل اللَّه القدرية لإِبْلِيسُ أعلم باللَّه منهم، يُرِيدُ في أنه علم أن اللَّه يَهْدِي وَيضل «3» .
وقوله: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ المعنى: لاعترضنَّ لهم في طَريق شرعك، وعبادتك، ومنهج النجاة، فَلأَصُدَّنهم عنه.
ومنه قوله عليه السلام: «إن الشيطان قَعَدَ لابن آدَمَ بأطرُقِهِ «4» نَهَاهُ عن الإِسْلاَمِ، وقال: تَتْرُكُ دِينَ آبائك، فَعَصَاهُ فأسلم، فنهاه عن الهِجْرَةِ فقال: تَدَعُ أَهْلَكَ وَبَلَدَك، فعصاه فهاجر، فنهاه عن الجِهَاد، فقال: تُقْتَلُ وتترك وَلَدَكَ، فَعَصَاهُ فجاهد فله الجَنَّة «5» ... »
الحديث.
وقوله سبحانه: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا
__________
(1) وذكره ابن عطية (2/ 379) ، والبغوي (2/ 151) .
(2) أخرجه الطبري (5/ 442) ، برقم: (14365) نحوه، وذكره ابن عطية (2/ 379) ، والبغوي (2/ 151) .
(3) أخرجه الطبري (5/ 444) ، برقم: (14368) ، وذكره ابن عطية (2/ 380) .
(4) هي جمع طريق على التأنيث لأن الطريق تذكر وتؤنث، فجمعه على التذكير: أطرقة: كرغيف وأرغفة، وعلى التأنيث: أطرق، كيمين وأيمن.
ينظر: «النهاية» (3/ 133) .
(5) أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 293) ، والنسائي (6/ 21- 22) ، كتاب «الجهاد» ، باب: ما لمن أسلم وهاجر وجاهد، وابن حبان (1601- موارد) ، والطبراني في «الكبير» (7/ 138) ، من حديث سبرة بن أبي الفاكه.

الصفحة 12