كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 3)
وقوله عز وجل: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ ...
الآية: هذه الآية بجملتها فيها وعيدٌ للظالمين، وتسليةٌ للمظلومين، والخطابُ بقوله:
تَحْسَبَنَّ للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وتَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ، معناه: تُحِدُّ النظرَ، لفرط الفَزَعِ ولفرط ذلك يشخص المحتضر، و «المُهْطِع» المسرع في مَشْيه قاله ابنُ جُبَيْر وغيره «1» ، وذلك بِذِلَّة واستكانة، كإِسراع الأسير ونحوه، وهذا أرجحُ الأقوال، وقال ابن عباس وغيره: الإِهطاع شدَّة النظر من غير أنْ يَطْرِفَ «2» ، وقال ابنُ زَيْدٍ: «المُهْطِع» : الذي لا يرفع رأسَهُ «3» ، قال أبو عُبَيْدة: قد يكون: الإِهْطَاعُ للوجْهَيْنِ جميعاً: الإِسراع، وإِدَامَةُ النَّظَر «4» ، و «المُقْنِعُ» : هو الذي يَرْفَعُ رأْسَه قدُماً بوَجْهِهِ نحو الشيْءِ، ومِنْ ذلك قولُ الشاعر: [الوافر]
يُبَاكِرْنَ الْعِضَاهَ بِمُقْنَعَاتٍ ... نَوَاجِذُهُنَّ كَالْحَدَإِ الوَقِيعِ «5»
يصفُ الإِبلَ عند رعْيها أَعاليَ الشَّجَر، وقال الحسن في تفسير هذه الآية: وجوهُ الناسِ يوم القيامَةِ إِلى السماء لا يَنْظُرُ أَحدٌ إِلى أحد «6» ، وذكر المبرِّد فيما حَكَى عنه مكِّيٌّ:
أن الإِقناع يوجَدُ في كلامِ العَرب بمعنَى: خَفْضِ الرأسِ من الذِّلَّة.
قال ع «7» : والأول أشهر.
وقوله سبحانه: لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ أي: لا يَطْرِفُونَ من الحَذَرِ والجزعِ وشدَّة الحال.
وقوله: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ: تشبيه محضٌ، وَجِهَةُ التشبيه يحتملُ أنْ تكون في فراغِ الأَفئدة من الخَيْرِ والرَّجاء والطمعِ في الرحمة، فهي متخرِّقة مُشَبِهَةٌ الهواءَ في تَفرُّغه من الأشياء،
__________
(1) ذكره ابن عطية (3/ 344) .
(2) أخرجه الطبري (7/ 468) برقم: (20871) ، وذكره ابن عطية (3/ 344) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 163) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
(3) أخرجه الطبري (7/ 469) برقم: (20879) ، وذكره ابن عطية (3/ 344) .
(4) ذكره ابن عطية (3/ 344) .
(5) البيت للشماخ ينظر: «ديوانه» ص: (220) ، و «اللسان» [قنع] ، و «المخصص» (1/ 146) ، و «التاج» حدأ، نجذ، قنع. والحدأة: بفتح الحاء: الفأس لها رأسان، و «مجاز القرآن» (1/ 343) ، والطبري (13/ 142) .
(6) ذكره البغوي (3/ 39) ، وابن عطية (3/ 344) .
(7) ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 344) .