كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 3)

يمكِنُ وقوعُ اختلاف الظُّنون فيه، وفي أنَّ صاحِبَه مظنونُ الصدق أو مظنونُ الكَذِبِ، أو أنَّا متعبِّدون بردِّه وإن لم نظنَّ كَذِبَهُ، أو بقبوله وإن لم نَظُنَّ صدقه.
وقد اعترف أهلُ الحديث بأجمعهم أنَّ المحاربين لعليٍّ عليه السَّلام معاويةَ وجميع مَنْ تَبِعهُ بُغَاةٌ عليه، وأنَّه صاحبُ الحَقِّ، نقل ذلك عنهم غيرُ واحد منهم مثل القرطبي (¬1) في " تذكرته " (¬2) كما سيأتي في الوهم الثالثِ والثلاثين مِنَ المجلَّدِ الرَّابعِ، ولم يَبْقَ الخلافُ بينهم وبَيْنَ غيرهم إلاَّ في أمرين.
أحدهما: أنَّ مدار الرِّواية على ظنِّ الصِّدق، لا على الموافقة في العقائد ونحوها، أو على الموافقة في العقائد (¬3)، وإن لم يحصل ظَنُّ الصِّدق، وهذا الأمرُ قد تقدَّم مستوفى في مسألة المتأوِّلين.
وثانيهما: في أيِّ الأمرين أرجح: العملُ بظاهرِ دعوى التَّأويل، أو الحكمُ بالتعمُّد للقرائن الخاصة؟ وفي تراجم معاوية، وعمرو، والمغيرة من " النبلاء " (¬4) شيءٌ كثير، موضعُه معروف، فلا حاجةَ إلى نقله، وإنَّما ذكَرْتُ تراجمهم في " النبلاء "، لأنَّه مِن تصانيف أهل السُّنَّةِ، وهم لا يُتَّهمون في ذلك، وَمِنْ أعظمه أحاديثُ " تَقْتُلُكَ يا عَمَّارُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ " (¬5)
¬__________
(¬1) هو الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرْح الأنصاري الخزرجي القرطبي، صاحب التفسير العظيم المتداول، المتوفى سنة 671 هـ. مترجم في " شذرات الذهب " 5/ 335.
(¬2) ص 555 - 557.
(¬3) جملة " أو على الموافقة في العقائد " ساقطة من (ب).
(¬4) انظر " سير أعلام النبلاء " 3/ 119 و3/ 54 و3/ 215 بتحقيقنا.
(¬5) تقدم تخريجه 2/ 170.

الصفحة 144