كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 3)

أنَّ العمل بالخاصِّ أَرْجح، أمَّا إنْ قُلنا: إنَّه خاصٌّ، وإنَّ الخاصَّ يُقدَّمُ (¬1)، فظاهر، وأما إن لم نَقُلْ بذلك، فلأنَّ الخصوصيةَ من وجوهِ التَّرجيح، فكانَ العملُ به أرجحَ، لأنه ُ أخصُّ بالحكم، وقوَّى هذا ابنُ رشد في " نهايته " (¬2) في اشتراط النِّصاب في الحُبوب.
وبالجملة فَذكْرُ الحُججِ في هذه المسألَةِ على الاستقصاء يَطُولُ، لكنا نكتفي في ذلك بكلام مُخْتَصَرٍ، فنقول للسيدِ: هل تدَّعي التَّعارضَ في ذلك على سبيِلِ القطع، أوعلى سبيلِ الظن؟ إن قلتَ: على سبيلِ القطع، فَهَلُمَّ الدَّليل، وعلينا القَبُولُ أو الجوابُ، ولكِنَهُ يَلْزَمُك على الكُلِّ تأثيمُ الجِلَّة من علماء الإسلام الّذين قَضَوْا بتقديمِ الخاصِّ على العَامِّ، وإن قلت: إنَّهما متعارضانِ على سبيل الظَّنِّ، فما معنى المراسلة والمناظرة في مسألةٍ اجتهاديَّةٍ ظنِّيةٍ على سبيل الإنكار والتَعَسُّفِ، وما عَلِمْنَا أنَّ أحداً أنكر على مَنْ قضى بتقديم الخاصِّ على العامِّ عند جَهْلِ التَّاريخ منذ صُنِّفَ أُصولُ الفقْهِ، وعُرِف الكلامُ في مسائل الخلاف. فلو سَكَتَ السَّيِّدُ عن النَكير في ذلك، لَوسِعَهُ مَا وَسِعَ أمَّةَ محمَّد - صلى الله عليه وسلم - في مقدار سِتِّ مِئَةِ سنةٍ، وإنَّما ذَكَرَ هذه النُكْتَةَ في تقديم معارضة العامِّ للخاصِّ (¬3) عِنْدَ جهل التَّاريخ، لأنَّه فَهِمَ أنَّهُ لا حُجَّةَ لَهُ في المنِع من وضع اليُمنى على اليُسرى، ومِنَ التأمين إلا ذلك، فإنه إنما عارض جميعُ ما تقدَّم بحديثِ " اسْكُنُوا في الصَّلاَةِ " (¬4).
¬__________
(¬1) في (ش): مقدم.
(¬2) اسمه الكامل " بداية المجتهد ونهاية المقتصد ": ونصه فيه 1/ 265: ولكن حمل الجمهور عندي الخصوص على العموم هو من باب ترجيح الخصوص على العموم في الجزء الذي تعارضا فيه، فإن العموم فيه ظاهر، والخصوص فيه نص.
(¬3) في (ب): الخاص.
(¬4) أخرجه مسلم (430) في الصلاة: باب الأمر بالسكون في الصلاة، والنهي عن =

الصفحة 16