كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 3)
متصرِّفٌ في ذات الله تعالى بالظنِّ، أو في مراده بكلامه، وفيه حظر، وإباحةُ ذلك لا تعرف إلاَّ بالنَّصِّ أو الإجماع، ولم يَرِدْ شيءٌ من ذلك، بل ورد قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم}.
فإن قيل: يدلُّ على جواز الظَّنِّ ثلاثة أمورٍ:
الأوَّل: الدَّليل الذي دلَّ على إباحة الصِّدق، وهو صادق، فإنَّه لا يُخْبِرُ إلا عن ظَنِّهِ، وهو ظانٌّ.
الثّاني: أقاويل المفسِّرينَ في القرآن بالظَّنَ، إذ كلُّ ما قالوه غير مسموعٍ مِنْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل مُستنبَطٌ بالاجتهاد ولذلك كَثُرتِ الأقاويلُ فيه، وتعارضت.
والثَّالث: إجماعُ التابعين على نقل الأخبارِ المتشابهةِ (¬1) الَّتي نقلها أجِلاَّء الصَّحابة، ولم تتواتر، وما اشتملت عليه الصِّحاحُ مِنَ الذي نقله العدلُ عَنِ العدلِ، فإنَّهم جوَّزوا روايتَه، ولا يَحْصُلُ بقولِ العدلِ إلا الظَّنُّ.
فالجوابُ (¬2) عن الأول: أن المُباحٍ صدق لا (¬3) يُخشى فيه ضررٌ، وبث هذه الظُنونِ لا يخلو عَنْ ضررٍ، لأنَّه يحكم (¬4) في صفاتِ اللهِ تعالى بغير علم، وهو خطر، فالنُّفوس نافِرَةٌ عَنْ أشكال الظَّواهر، فإذا وجدتَ مستروحاً مِنَ المعنى -ولو مظنوناً- أخْلَدْت إليه، ورُبَّما يكونُ غلطاً،
¬__________
(¬1) في (ش): " عن المتشابه "، وهو خطأ.
(¬2) في (ب): والجواب.
(¬3) في (ش): ولا.
(¬4) في (ب): تحكم.