كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 3)
شذوذِ العالِمِ بالاختيار، ما رَسَمْتُ هذِهِ المسألَةَ، وقد تقدَّم ذِكْرُ تَفَرُّدِ عَلِيٍّ عليه السلام بجواز بيع أمِّ الوَلَدِ (¬1)، وقد ذَكَرَ الأميرُ شمسُ الدِّينِ أنَّ لِعَلِيٍّ عليه السلامُ ما لو يُفْتي بهِ غَيْرُهُ مِنْ أهلِ الأعصارِ المتأخِّرَةِ لنُسِبَ إلى الجَهْلَ.
وقد ذكر السُّبْكي (¬2) في " طبقاته " ما شذَّ بِهِ كلُّ عالِم مِمَّنْ ذكره، فصارَ جواز الشُّذوذِ مُجْمعَاً عليه لِشُهْرَتِهِ، وَعَدَمِ الِإنكارِ، فَمُحَرِّمُهُ أقربُ إلى مُخَالَفَةِ الإجماعِ منه إلى مُتَابِعِهِ (¬3)، وَمَنْ عقَدَ الإجماعَ مع مخَالَفَةِ الوَاحدِ، لم يجْعلْهُ إجماعاً قطعياً، ولا أثَّمَ ذلِكَ الواحِدَ.
فإن قُلْتَ: وما المُوجِبُ للشُّذوذ وموافقة الجماهير أولى؟
قلتُ: الموجبُ دليلٌ هو عند المخالِفِ أرجحُ من مُوَافَقَتِهِمْ، وموافَقَتُهُمْ حسَنَةٌ، لكنْ إذا حصل ما هو أحْسَنُ مِنْهَا، كانَ أوْلَى، مثلُ ما إِنَّ العَمَلَ بالحديثِ حَسَن، لكِنْ إذا حصل (¬4) العَمَلُ بالقرآنِ، وَلَمْ يُمْكِنِ الجَمْعُ، كان أحْسَن.
فإنْ قلْتُ: فكيف يَجُوزُ للعالِمِ مِنْ أهلِ البيتِ عليهمُ السَّلامُ أنْ يُخَالِفَ إجماعَ أهْلِهِ، أو يُخَالِفَ إجماعَ الأمَّةِ؟
¬__________
(¬1) انظر 1/ 292.
(¬2) هو قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي ولد سنة 727 هـ، وتوفي سنة 771 هـ وكتابه " الطبقات " ترجم فيه لأعلام الشافعية، رتبه على سبع طبقات، عقد لأهل كل مئة سنة طبقة، ويتخلل الترجمة فوائد حديثية وفقهية وتاريخية وأدبية، وكثيراً ما يذكر في الترجمة الآراء التي ينفرد بها صاحب الترجمة. وقد طبع الكتاب طبعة متقنة محررة بتحقيق الأستاذين الفاضلين: محمود محمد الطناحي، وعبد الفتاح حلو في عشرة أجزاء، سنة 1964 م بمطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر.
(¬3) في (ب): متابعته.
(¬4) من قوله "ما هو" إلى هنا ساقط من (ش).