كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 3)

كما ثبت في " الصَّحيحين " (¬1) أنَّه كان يُسْمعُهُم الآيَةَ أَحْيَاناً في صَلاةِ النَّهارِ، وكما ثبتَ عَنْ عُمَرَ أنَّهُ جَهَرَ بالتَّوَجُّهِ للتَّعْليمِ (¬2) معَ الإجماعِ علَى أنَّ التَّوَجُّهَ ممَّا لا يُجْهَرُ بِهِ.
وقد يَحْتَمِلُ أنَّه جَهَرَ بِها لبيانِ جوازِ الجَهْرِ، لا لبيان استحبابهِ، كما جَهَرَ في صلاة النَّهارِ، وإذا كان هذا محتَملاً، لم تُعَارَضِ الأحاديث، وإذا لم تُعارَضْ، لَمْ يَحِلَّ التَّرجيحُ والعملُ بالبَعْضِ دونَ البَعْضِ.
فإنْ قُلْتَ: فهلاَّ جَعَلْت التَأويلَ للإخفاتِ؟ وقلتَ كما قال أهلُ الجَهْرِ: إنَّه يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جَهَر (¬3)، ولكِنْ لَمْ يَسْمَعُوهُ لما يُعتادُ مِنْ رَفْع المأمومينَ لأصواتِهِمْ بعد تكبيرةِ الإِحرام، وذلكَ وقتُ البَسْمَلَةِ.
قلت: الجَوَابُ مِنْ وَجْهيْنِ.
الأول: أنَّ هذا الاحتمال يضعف في الرَّكْعَة الثانِيَةِ، وعِنْدَ قراءةِ السُّورَة بعد الفَاتِحَةِ، ويلزمُ منهُ التباسُ أوَّلِ الفاتِحَةِ.
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري (759) و (762) و (776) و (778) و (779)، ومسلم (451) من طرق عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبي قتادة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا، فيقَرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب، ويسمعنا الآية أحياناً، وكان يطول الركعة الأولى من الظهر، ويقصر الثانية، وكذلك في الصبح. وللنسائي من حديث البراء: كنا نصلي خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر، فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات. ولابن خزيمة (512) من حديث أنس نحوه، لكن قال بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}.
(¬2) أخرجه مسلم في " صحيحه " (399) (52) من طريق محمد بن مهران الرازي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، عن عبدة أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك.
(¬3) في (ب): " جهرا "، وفي (ج): " جهره "، وهو خطأ.

الصفحة 39