كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 3)

والغُسُلِ مِن التقاءِ الخِتَانَيْنِ (¬1) ونحوهما، وَقَدِ اختلف العلَمَاءُ كثيراً في خَبَرِ الواحد إذا كان فيما تَعُمُّ به البَلْوى هل يُقْبَلُ أم لا (¬2)؟، ولم
¬__________
= وحديث ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل كتف شاة، وصلى ولم يتوضأ. أخرجه مالك 1/ 25، والبخاري (207) و (5404) و (5405)، ومسلم (435)، وأبو داود (187)، والنسائي 1/ 108.
وأخرج أحمد 1/ 366 من طريقين عن ابن جريج قال: أخبرني محمد بن يوسف أن سليمان بن يسار أخبره أنَّه سمع ابن عباس - ورأي أبا هريرة يتوضأ، فقال: أتدري مما أتوضأ؟ قال: لا، قال: من أثوار أقط أكلُتها، قال ابن عباس: ما أبالي مما توضأت، أشهد لرأيت رسوِل الله - صلى الله عليه وسلم - أكل كتف لحم، ثم قام إلى الصلاة وما توضأ. قال: وسليمان حاضر ذلك منهما جميعاًً. وسنده صحيح.
وقال الإمام النووي: كان الخلاف فيه معروفاً بين الصحابة والتابعين، ثم استقر الإجماع على أنَّه لا وضوء مما مسَّت النار.
وجمع الإمام الخطابي بين الأحاديث بأن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب، لا على الوجوب.
(¬1) انظر حديث أبي موسى في وجوب الاغتسال من التقاء الختانين في مسلم (349)، و" الموطأ " 1/ 46، والترمذي (108) و (109).
وحديث أبي هريرة في البخاري (291)، ومسلم (348)، وأبي داود (216)، والنسائي 1/ 110 و111، والطحاوي 1/ 56، والطيالسي (2449)، وأحمد 2/ 234 و347 و393 و470 - 471 و520، وانظر " فتح الباري " 1/ 396 - 398.
(¬2) خبر الواحد فيما تعم به البلوى، أي: يحتاج إليه الناس حاجة متأكدة مع كثرة تكرره لا يثبت به وجوب إلا إذا اشتهر أو تلقته الأمة بالقبول عند عامة الحنفية، وقالوا: إن عدم انتشاره وذيوعه يورث شكلاً، ولهذا لما سلم الرسول - صلى الله عليه وسلم - على رأس الركعتين ساهياً، وقال له ذو اليدين -دون سائر الحاضرين-: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ توقف في قبول خبره، وظن أنه مخطىء، فلمَّا وافقه الحاضرون، عمل بقوله.
والأكثرون على قبول خبر الواحد فيما تعم به البلوى إِذا صح إسناده دونما اشتراط اشتهاره وتلقي الأمة له بالقبول لإطلاق النصوص الدالة على وجوب العمل بالخبر، واتفاق الصحابة على العمل به في ذلك، ولأن شروط البيوع، والأنكحة، وما يعرض في الصلاة، والوضوء من الخارج من السبيلين، والمشي مع الجنازة، وبيع رباع مكة وإجارتها ووجوب الوتر ونحوه أثبته المخالف بخبر الواحد، وهو مما تعم به البلوى.
وانظر التفصيل في " المعتمد" 2/ 167 - 169، و" المحصول " 2/ 1/632 - 636، و" العدة في أصول الفقه " لأبي يعلى 3/ 855 و" فواتح الرحموت " 2/ 128 - 131، و" سلم الوصول لشرح نهاية السول " 3/ 170 - 173، و" تيسير التحرير " 3/ 112 - 115.

الصفحة 54