كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 3)

ذلِكَ، وهذا إنما يَرِدُ على الأحاديث التي أوردها السَّيِّدُ، فأمَّا الأحاديثُ التي فيها أنَّه عليه السلام كان يجْهَرُ، أو كان يُخَافتُ، فلا يَرِدُ هذا عليه، لأنهُ لا يَمْتَنِعُ تواتُرُ الجَهْرِ والإِخفاتِ عنه عليه السَّلامُ فِعْلاً لا قَوْلاً، فقد صنف علماءُ الأثر في ذلك كتباً منفردهَ، وادعَوُا التواتُر في الجانِبَيْنِ.
أما مَنْ ذَهَبَ إلى الإِخفات، فَقَدِ ادَّعى تواتُرَ ذَلِكَ في مَسْجِد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإتصال عَمَل الأئمةِ والمصلين فيه منْذُ تُوُفَيَ عليه السلام إلى زَمَنِ مالك، فإنَ مالكا أدْركَ الناسَ على ذلك، ولم يُنْقَلْ أنَّ أحداً أكْرهَ الناسَ على تغيير شَيْءٍ في الصَّلاةِ، ولا نهاهُمْ عَنِ الجَهْرِ بعد أنْ كانوا عليه، مع ما رُويَ في ذَلِكَ مِنَ الأحاديث (¬1) الصَّحيحَةِ الكَثِيرَةِ التي أجْمَعَ علَمَاءُ النَقْلِ على صِحَّتِهَا وَقُوَّتها (¬2)،
¬__________
(¬1) في (ب): الأخبار.
(¬2) روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبا بكر، وعمر رضي الله عنهم كانوا يفتتحون الصلاة بـ (الحمد لله رب العالمين). أخرجه البخاري (743) في صفة الصلاة، باب: ما يقول بعد التكبير، وأخرجه الترمذي (246) وعنده " القراءة " بدل " الصلاة " وزاد: عثمان، وأخرجه مسلم (399) بلفظ: " صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم "، وأخرجه أحمد 3/ 264، والطحاوي 1/ 202، والدارقطني 1/ 315، وقالوا فيه: " فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم "، وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1794) بتحقيقنا، وزاد: " ويجهرون بالحمد لله رب العالمين "، وفي لفظ النسائي 2/ 135، وابن حبان (1790)، والبغوي (582): " فلم أسمع أحداً منهم يَجْهَرُ ببسم الله الرحمن الرحيم "، وفي لفظ لأبي يعلى الموصلي في " مسنده ": (2881): " فكانوا يستفتحون القراءة فيما يجهر به بالحمد لله رب العالمين "، وفي لفظ للطبراني في " معجمه الكبير" (739)، وابن خزيمة (498)، والطحاوي 1/ 203: " وكانوا يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم " ورجال هذه الروايات كلهم ثقات مخرج لهم في الصحيح كما قال الزيلعي في " نصب الراية " 1/ 326 - 327.
ولأحمد 4/ 85، والترمذي (244)، والنسائي 2/ 135 من طريق قيس بن عَبايَة، عن ابن عبد الله بن مفضل (واسمه يزيد كما جاء مصرحاً به في رواية أحمد 4/ 85) قال: سمعني أبي وأنا في الصلاة أقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال لي: أي بني، مُحْدَث، إياك =

الصفحة 56