يدعوننا إلى ترك ما صح عنه عليه السلام، واتباع رأي مالك. وإذا كان سائغاً لهم عند أنفسهم خلاف سفيان الثوري، وسعيد بن المسيب، والزهري لقول مالك، وساغ (1) لابن وهب وأشهب والمخزومي وابن الماجشون [181 ظ] وابن نافع وابن كنانة مخالفة مالك في مسائل جمة، فقد سوغ (2) ذلك وأوجب لنا وعلينا خلاف مالك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما القبر من دار الهجرة، فدار الهجرة باقية بفضلها، لم ينتقص من فضلها شيء أصلاً، وقل غناء (3) ذلك عن سكانها.
وأما قولهم: " لأنهم في القرن [الممدوح المحمود] لورعهم وصلاحهم "، فما مالك أولى بذلك من فقهاء زمانه كسفيان والليث والأوزاعي ومعمر وابن عيينة وابن المبارك وغيرهم ممن قبله وبعده ومعه، والفضل بيد الله تعالى لا بأهواء المتمنين.
وأما قولهم: إنهم طالعوا دواوين لم نطالعها نحن، ومن الدواوين ما لا نقف على أسمائها، فلعمري ما لشيوخهم (4) ديوان مشهور مؤلف في نص مذهبهم إلا وقد رأيناه ولله الحمد، كثيراً، ككتاب ابن الجهم وكتاب الأبهري الكبير، والأبهري الصغير والقزويني وابن القصار وعبد الوهاب والأصيلي (5) ، ولقد كان ينبغي لهم
__________
(1) ص: وشاع.
(2) ص: فبما سورغ من.
(3) ص: عنا.
(4) ص: شيوخهم.
(5) محمد بن الجهم (- 329 أو 333) : له عدة كتب منها بيان السنة ومسائل الخلاف والحجة لمذهب مالك، وشرح مختصر ابن عبد الحكم الصغير، ولا أدري إلى أيها يشير ابن حزم.
وأبو بكر محمد بن عبد الله الأبهري الكبير (- 375) شرح كتابي ابن عبد الحكم الصغير والكبير وله كتب أخرى.
والأبهري الصغير هو محمد بن عبد الله أبو جعفر (- 365) له كتاب في مسائل الخلاف نحو مائتي جزء وكتاب تعليق المختصر الكبير مثله وغيرهما.
وأما القزويني فهو أبو سعيد أحمد بن محمد زيد (مات بعد 390) وقد صنف في المذهب والخلاف، من ذلك كتاب المعتمد في الخلاف نحو مائة جزء وله أيضاً كتاب الالحاف في مسائل الخلاف.
وأما ابن القصار فهو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد (- 398) تفقه بالأبهري الكبير؛ وقال فيه الشيرازي (طبقات الفقهاء: 168) وله كتاب في مسائل الخلاف كبير، لا أعرف لهم كتاباً في الخلاف أحسن منه.
وعبد الوهاب هو أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر (- 422) تفقه على كبار أصحاب الأبهري كابن القصار وغيره من مؤلفات عديدة في المذهب والخلاف منها كتاب النصرة لمذهب إمام الهجرة وكتاب أوائل الأدلة في مسائل الخلاف.
وأما الأصيلي فهو أبو محمد عبد الله بن إبراهيم، (- 392) أندلسي، تفقه ببلده وبالقيروان ومصر والعراق وصنف كتاب " الآثار والدلائل " في الخلاف (وهؤلاء جميعاً من كبار المالكية، وتراجمهم في الديباج والمدارك، وطبقات الشيرازي، وبعضها في الفهرست وابن خلكان) .