كتاب المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها (اسم الجزء: 3)

النسيج، واضحة النهج، صفيَّة الديباجة، خفيفة الروح؛ وفي مذاهبهم سار الْمُرقون من الشُّعراء، أمثال إبراهيم بن العباس، وعلي بن الجهم، ومهيار الديلمي، ومن ذهب مذاهبهم ودرج على آثارهم.
وكان هذا العصر عصر مطارحة للشعر بين الرجال والجواري، يبتدئ الشاعر ببيت من الشعر فتعارضه الجارية بمثله على وزنه وفي بقية معناه، وأكثر ما تكون الغلبة للنساء، فقد كُنَّ أسرعَ بديهة وأرقَّ طبعاً. ومن حديث ذلك أن اعرابيا ذهب إلى عنان جارية الناطفي وصاحبة أبي نواس فقال: بلغني أنك تقولين الشعر فقولي بيتاً. وكان السلوى الشاعر عندها فقال: قل أنت يا عم!! فقال السلوي:
لقد جدَّ الفراق وعيل صبري ... عشية عيُرهم للبين زُمَّت
فقال الأعرابي:
نظرات إلى أواخرها ضُحَّيا ... وقد بانت وأرض الشام أمَّت
فقالت عنان:
كتمت هواكم في الصدر مني ... على أن الدموع عليَّ نمت
فقال الأعرابي أنت والله أشعرنا ولولا أنكِ بحرمة رجل لقبلتك، ولكني أقبل البساط.
وممن بديع المطارحة أن علي بن الجهم ألقى على فضل الشاعرة بحضرة المتوكل بيتاً غريب القافية ليُعْجزها فقال:
لاذ بها يشتكي إليها ... فلم يجد عندها ملاذا
فما لبثت أن قالت:
ولم يزل ضارعاً إليها ... تهطل أجفانه رَذاذا
فعاتبوه فزاد عشقا ... فمات وجداً فكان ماذا

الصفحة 18