كتاب بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (اسم الجزء: 3)

وقال بعض مشايخنا: الذَّوق: مباشرة الحاسّة الظَّاهرة أَو الباطنة، ولا يختصّ ذلك بحاسة الفم فى لغة القرآن، بل ولا فى لغة العرب، قال: {وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق} ، وقال تعالى: {هاذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} ، وقال: {فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} . فتأَمَّلْ كيف جمع الذَّوق واللِّباس حتىََّ يدلَّ على مباشرة الذوق وإِحاطته وشموله، فأَفاد الإِخبارُ عن إِذاقته أَنَّه واقع مباشر غير منتظر؛ فإنَّ الخوف قد يُتوقَّع ولا يباشر، وأَفاد الإِخبارُ عن لباسه أَنَّه محيطٌ شامل كاللِّباس للبدن.
وفى الصحيح عن النَّبى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ذاقَ طعم الإِيمان مَن رَضِىَ باللهِ ربًّا وبالإِسلام دينًا وبمحمّد رسولاً" فأَخبر أَنَّ للإِيمان طعمًا، وأَنَّ القلب يذوقه كما يذوق الفم طعمَ الطَّعام والشَّراب. وقد عبّر النَّبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن إِدراك حقيقة الإِيمان والإِحسان وحصوله للقلب ومباشرته له بالذَّوق تارة، وبالطعامِ والشراب تارةً، وبوِجدان الحلاوة تارة، كما قال: ذاق طعم الإِيمان ... "الحديث"، وقال: "ثلاث مَن كُنَّ فيه وجد حلاوة الإِيمان".
والذَّوق عند العارفين: منزل من منازل السّاليكن أَثبتُ وأَرسخ من منزلة الوَجْد عندهم. وسيأتى الكلام فيه فى فنِّ علم التصوّف إِن شاءَ الله.

الصفحة 24