كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 3)

وقول الشارح: وإنما يعرف ذلك أهله، لما كان قولهم هذا ظاهر البطلان، وأنه ليس لهم حجة شرعية على صحته، أراد التمويه بقوله ذلك، إشارة إلى أن لقولهم هذا وجها صحيحا، ومحملا يخفى على من لم ير رأيهم، وأما قوله: ومنه بدا، قولا قديما، وإنه ... إلخ، فهذا ما عليه الأشاعرة المخالفون للكتاب والسنة وسلف الأمة; فقد أجمع أهل السنة والجماعة على ما دل عليه كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من أن الله يتكلم بحرف وصوت، وأن القرآن كلام الله، حروفه ومعانيه؛ وعند الأشعرية أن الكلام هو: المعنى النفسي، وأن الله لا يتكلم بحرف ولا صوت.
وقد صنف شيخ الإسلام، تقي الدين رحمه الله، مصنفا ذكر فيه تسعين وجها في بيان بطلان هذا القول، منها: أن الله سبحانه قال: كذا; يقول: كذا; ونادى; وينادي; والقول: إنما يكون حروفا، والنداء إنما هو بحرف وصوت، وكذلك الكلام، لا يكون إلا قولا، لا حديث نفس، قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله عفا لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم "1 فجعل الكلام غير حديث النفس؛ وأجمع العلماء على أن المصلي إذا تكلم في صلاته، عالما عامدا، لغير مصلحتها، أن صلاته فاسدة، مع إجماعهم أن حديث النفس لا يبطلها; ففي ذلك وما أشبهه دلالة صريحة على أن المعنى الذي يكون في النفس ليس بكلام.
__________
1 البخاري: الطلاق (5269) , ومسلم: الإيمان (127) .

الصفحة 258