كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 3)

فأخبر رحمه الله: أن الكيف غير معلوم، لأنه لا يعلم إلا بعلم كيفية الذات، وقد حجب العباد عن معرفة ذلك لكمال عظمته، وعظيم جلاله؛ وعقول العباد، لا يمكنها إدراك ذلك، ولا تحمله، وإنما أمروا بالنظر والتفكر فيما خلق وقدر; وإنما يقال: كيف هو؟ لمن لم يكن ثم كان; فأما الذي لا يحول، ولا يزول، ولم يزل، وليس له نظير، ولا مثل، فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو; وكيف يعرف قدر من لم يبد، ولا يموت، ولا يبلى؟ وكيف يكون لصفة شيء منه حد ومنتهى، يعرفه عارف، أو يحد قدره واصف؟ لأنه الحق المبين، لا حق أحق منه، ولا شيء أبين منه; والعقول عاجزة قاصرة عن تحقيق صفة أصغر خلقه كالبعوض وهو لا يكاد يرى، ومع ذلك يحول، ويزول، ولا يرى له سمع ولا بصر، فما يتقلب به ويحتال من عقله، أخفى وأعضل، مما ظهر من سمعه وبصره، {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [سورة المؤمنون آية: 14] ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [سورة الشورى آية: 11] .
وقد قال بعضهم، مخاطبا للزمخشري، منكرا عليه نفي الصفات، شعرا:
قل لمن يفهم عني ما أقول ... قصر القول فذا شرح يطول
أنت لا تفهم إياك ولا ... من أنت ولا كيف الوصول
لا ولا تدري خفايا ركبت ... فيك حارت في خباياها العقول
أنت أكل الخبز لا تعرفه ... كيف يجري منك أم كيف تبول

الصفحة 291