كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 3)

أين منك الروح في جوهرها ... كيف تسري فيك أم كيف تجول
فإذا كانت طواياك التي ... بين جنبيك كذا فيها ضلول
كيف تدري من على العرش استوى ... لا تقل كيف استوى كيف النّزول
وبالجملة: فهذا السؤال سؤال مبتدع جاهل بربه; وكيف يقول: إذا قلتم: إن الله على العرش استوى؟ وهو يسمع إثبات الاستواء، في سبعة مواضع من القرآن.
وأما قوله: أين كان قبل أن يخلق العرش؟ فهذه المسألة: ليس فيها تكييف، ولا ابتداع، وقد خرج الترمذي جوابها، مرفوعا، من حديث: أبي رزين العقيلي، أنه قال: "يا رسول الله، أين كان ربنا، قبل أن يخلق الخلق؟ قال: في عماء، ما فوقه هواء، وما تحته هواء"1 انتهى الحديث، فهذا جواب مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد قبله الحفاظ، وصححوه; والعماء هو: السحاب الكثيف، قال يزيد بن هارون، إمام أهل اليمن، من أكابر الطبقة الثالثة، من طبقات التابعين ومن ساداتهم، معناه: ليس معه شيء.
وأما قول السائل: وفي زعم هذا القائل، إنه بذلك ينبغي حاجة الرب إلى العرش ; فيقال: ليس في إثبات الاستواء على العرش ما يوجب الحاجة إليه أو فقر الرب تعالى وتقدس إلى شيء من خلقه; فإنه سبحانه هو الغني بذاته عما سواه، وغناه من لوازم ذاته، والمخلوقات بأسرها - العرش فما دونه - فقيرة محتاجة إليه تعالى، في إيجادها
__________
1 الترمذي: تفسير القرآن (3109) , وابن ماجه: المقدمة (182) , وأحمد (4/11) .

الصفحة 292