كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 3)

العالية: عيرت اليهود المؤمنين، لما صرفت القبلة، فنَزلت هذه الآية. وقال مجاهد والحسن: نزلت في الداعي، يستقبل أي جهة كان، لأنهم قالوا لما نزلت {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر آية: 60] : أين ندعوه؟ قال الكلبي: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [سورة البقرة آية: 115] فثم الله يعلم ويرى، والوجه صلة، كقوله تعالى: {هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ} [سورة القصص آية: 88] أي: إلا هو، وقال الحسن، ومجاهد، وقتادة، ومقاتل بن حيان: فثم قبلة الله، والوجه، والوجهة، والجهة: القبلة.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة آية: 115] ختم هذه الآية، بهذين الاسمين الشريفين، يشعر بما قاله الكلبي، من أنه يعلم ويرى، ومن كان له أدنى شعور بعظمة الله وجلاله عرف صغر المخلوقات بأجمعها، في جنب ما له تعالى، من الصفات المقدسة، ولم يختلج في قلبه ريب ولا شك في الإيمان بهذه النصوص كلها، وعرف الجمع بينها وبين ما تقدم. فسبحان من جلت صفاته وعظمت أن يحاط بشيء منها.
وأما قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [سورة ق آية: 16] ، فهذا القرب لا ينافي علوه على خلقه، واستواءه على عرشه، وفي الحديث: " وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء "1، ولا يعرف هذا من ضاق نطاقه عن الإيمان بما جاءت به الرسل؛ وإنما يعرفه رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين، ومن أسمائه: العلي الأعلى، ومن
__________
1 مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2713) , والترمذي: الدعوات (3400 ,3481) , وأبو داود: الأدب (5051) , وابن ماجه: الدعاء (3831) , وأحمد (2/381 ,2/404 ,2/536) .

الصفحة 306